للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمْ مِنْ أَخٍ لِي مَاجِدٍ ... بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدَا

؛ أَيْ: هَيَّأْتُهُ لَهُ وَأَنْزَلْتُهُ فِيهِ.

وَبَوَّأْتُ لَهُ. كَقَوْلِهِ هُنَا: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ الْآيَةَ [٢٢ \ ٢٦] .

وَبَوَّأْتُهُ فِيهِ. كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَبُوِّئَتْ فِي صَمِيمِ مَعْشَرِهَا ... وَتَمَّ فِي قَوْمِهَا مُبَوَّؤُهَا

؛ أَيْ: نَزَلَتْ مِنَ الْكَرَمِ فِي صَمِيمِ النَّسَبِ، وَتَبَوَّأَتْ لَهُ مَنْزِلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا [١٠ \ ٧٨] .

وَتَبَوَّأَهُ. كَقَوْلِهِ: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ الْآيَةَ [٣٩ \ ٧٤] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ [١٢ \ ٥٦] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ الْآيَةَ [٥٩ \ ٩] .

وَأَصْلُ التَّبَوُّءِ مِنَ الْمَبَاءَةِ: وَهِيَ مَنْزِلُ الْقَوْمِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَقَوْلُهُ: بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [٢٢ \ ٢٦] ؛ أَيْ: هَيَّأْنَاهُ لَهُ وَعَرَّفْنَاهُ إِيَّاهُ ; لِيَبْنِيَهُ بِأَمْرِنَا عَلَى قَوَاعِدِهِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُنْدَرِسَةِ، حِينَ أَمَرْنَاهُ بِبِنَائِهِ، كَمَا يُهَيَّأُ الْمَكَانُ لِمَنْ يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهِ.

وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ: بَوَّأَهُ لَهُ وَأَرَاهُ إِيَّاهُ بِسَبَبِ رِيحٍ تُسَمَّى الْخَجُوجَ كَنَسَتْ مَا فَوْقَ الْأَسَاسِ، حَتَّى ظَهَرَ الْأَسَاسُ الْأَوَّلُ الَّذِي كَانَ مُنْدَرِسًا، فَبَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: أَرْسَلَ لَهُ مُزْنَةً فَاسْتَقَرَّتْ فَوْقَهُ، فَكَانَ ظِلُّهَا عَلَى قَدْرِ مِسَاحَةِ الْبَيْتِ، فَحَفَرَا عَنِ الْأَسَاسِ فَظَهَرَ لَهُمَا فَبَنَيَاهُ عَلَيْهِ. وَهُمْ يَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّهُ كَانَ مُنْدَرِسًا مِنْ زَمَنِ طُوفَانِ نُوحٍ، وَأَنَّ مَحَلَّهُ كَانَ مَرْبِضَ غَنَمٍ لِرَجُلٍ مِنْ جُرْهُمَ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَغَايَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ: أَنَّ اللَّهَ بَوَّأَ مَكَانَهُ لِإِبْرَاهِيمَ، فَهَيَّأَهُ لَهُ وَعَرَّفَهُ إِيَّاهُ لِيَبْنِيَهُ فِي مَحَلِّهِ، وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَنَاهُ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يُبْنَ قَبْلَهُ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ حِينَ تَرَكَ إِسْمَاعِيلَ وَهَاجَرَ فِي مَكَّةَ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ [١٤ \ ٣٧] يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَبْنِيًّا وَانْدَرَسَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُنَا مَكَانَ الْبَيْتِ [٢٢ \ ٢٦] لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ مَكَانًا سَابِقًا، كَانَ مَعْرُوفًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ الْآيَةَ، مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَحْذُوفِ الْمَذْكُورِ آيَةُ الْبَقَرَةِ ; وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [٢ \ ١٢٥] فَدَلَّتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ الْمَذْكُورَةُ عَلَى أَنَّ مَعْنَى آيَةِ الْحَجِّ هَذِهِ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ [٢٢ \ ٢٦] وَعَهِدْنَا إِلَيْهِ؛ أَيْ: أَوْصَيْنَاهُ، أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ، وَزَادَتْ آيَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>