وَقَوْلُهُ: مَنَافِعَ جَمْعُ مَنْفَعَةٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذِهِ الْمَنَافِعَ مَا هِيَ. وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ بَعْضِهَا فِي بَعْضِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ دُنْيَوِيٌّ، وَمَا هُوَ أُخْرَوِيٌّ، أَمَّا الدُّنْيَوِيٌّ فَكَأَرْبَاحِ التِّجَارَةِ، إِذَا خَرَجَ الْحَاجُّ بِمَالِ تِجَارَةٍ مَعَهُ، فَإِنَّهُ يُحْصُلُ لَهُ الرِّبْحُ غَالِبًا، وَذَلِكَ نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ.
وَقَدْ أَطْبَقَ عُلَمَاءُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [٢ \ ١٩٨] أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَاجِّ إِثْمٌ وَلَا حَرَجٌ، إِذَا ابْتَغَى رِبْحًا بِتِجَارَةٍ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَشْغَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، مِنْ أَدَاءِ مَنَاسِكِهِ، كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِيهِ بَيَانٌ لِبَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ «الْحَجِّ» هَذِهِ وَهَذَا نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ.
وَمِنَ الْمَنَافِعِ الدُّنْيَوِيَّةِ مَا يُصِيبُونَهُ مِنَ الْبُدْنِ وَالذَّبَائِحِ، كَمَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَرِيبًا ; كَقَوْلِهِ فِي الْبُدْنِ: لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: فَكُلُوا مِنْهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ نَفْعٌ دُنْيَوِيٌّ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ أَيْضًا لِبَعْضِ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ «الْحَجِّ» هَذِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَتْ آيَةُ «الْبَقَرَةِ» عَلَى مَا فَسَّرَهَا بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، وَوَجَّهَ اخْتِيَارَهُ لَهُ، بِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ: أَنَّ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ «الْحَجِّ» غُفْرَانَ ذُنُوبِ الْحَاجِّ، حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيْهِ إِثْمٌ إِنْ كَانَ مُتَّقِيًا رَبَّهُ فِي حَجِّهِ بِامْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَاجْتِنَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [٢ \ ٢٠٣] أَنَّ الْحَاجَّ يَرْجِعُ مَغْفُورًا لَهُ، وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ إِثْمٌ، سَوَاءٌ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، أَوْ تَأَخَّرَ إِلَى الثَّالِثِ، وَلَكِنَّ غُفْرَانَ ذُنُوبِهِ هَذَا مَشْرُوطٌ بِتَقْوَاهُ رَبَّهُ فِي حَجِّهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِمَنِ اتَّقَى الْآيَةَ: أَيْ وَهَذَا الْغُفْرَانُ لِلذُّنُوبِ، وَحَطُّ الْآثَامِ إِنَّمَا هُوَ لِخُصُوصِ مَنِ اتَّقَى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فِيهَا أَوْجُهٌ مِنَ التَّفْسِيرِ غَيْرُ هَذَا.
وَمِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُمُ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ مَعْنَاهَا: أَنَّهُ يَغْفِرُ لِلْحَاجِّ جَمِيعَ ذُنُوبِهِ، سَوَاءٌ تَعَجَّلَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute