للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَوْمَيْنِ، أَوْ تَأَخَّرَ: عَلِيٌّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَامِرٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ.

وَلَمَّا ذَكَرَ أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهَا قَالَ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: تَأْوِيلُ ذَلِكَ: فَمَنْ تَعَجَّلَ مِنْ أَيَّامِ مِنًى الثَّلَاثَةِ، فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، يَحُطُّ اللَّهُ ذُنُوبَهُ إِنْ كَانَ قَدِ اتَّقَى فِي حَجِّهِ، فَاجْتَنَبَ فِيهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِاجْتِنَابِهِ، وَفَعَلَ فِيهِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِفِعْلِهِ، وَأَطَاعَهُ بِأَدَائِهِ عَلَى مَا كَلَّفَهُ مِنْ حُدُودِهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْهُنَّ، فَلَمْ يَنْفِرْ إِلَى النَّفْرِ الثَّانِي، حَتَّى نَفَرَ مِنْ غَدِ النَّفْرِ الْأَوَّلِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لِتَكْفِيرِ اللَّهِ مَا سَلَفَ مِنْ آثَامِهِ، وَإِجْرَامِهِ إِنْ كَانَ اتَّقَى اللَّهَ فِي حَجِّهِ بِأَدَائِهِ بِحُدُودِهِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ: لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَأَنَّهُ قَالَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» . وَسَاقَ ابْنُ جَرِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَسَانِيدِهِ أَحَادِيثَ دَالَّةً عَلَى ذَلِكَ فَفِي لَفْظٍ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَابَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ دُونَ الْجَنَّةِ» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْ عُمَرَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ الْخَبَثَ، أَوْ خَبَثَ الْحَدِيدِ» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا قَضَيْتَ حَجَّكَ فَأَنْتَ مِثْلُ مَا وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَطُولُ بِذِكْرِ جَمِيعِهَا الْكِتَابُ مِمَّا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ مَنْ حَجَّ، فَقَضَاهُ بِحُدُودِهِ عَلَى مَا أَمَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ ذُنُوبِهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ فِي حَجِّهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُوَضِّحُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ ذُنُوبِهِ، مَحْطُوطَةً عَنْهُ آثَامُهُ، مَغْفُورَةً أَجْرَامُهُ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ الطَّوِيلِ فِي الْمَوْضُوعِ.

وَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمَعْنَى لَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَعَجُّلِهِ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأَخُّرِهِ ; لِأَنَّ التَّأَخُّرَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِثْمٌ، حَتَّى يُقَالَ فِيهِ: فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَأَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ سَبَبَ النُّزُولِ أَنْ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ: التَّعَجُّلُ لَا يَجُوزُ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: التَّأَخُّرُ لَا يَجُوزُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>