للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَمَلَ أَحَادِيثَ اشْتِرَاكِ السَّبْعَةِ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ، عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْأَجْرِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ وَاحِدًا، وَيُشْرِكُ غَيْرَهُ مَعَهُ فِي الْأَجْرِ لَا فِي مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فِيهِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى الِاشْتِرَاكِ فِي الْمِلْكِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ: أَنْ يُضَحِّيَ بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ، وَيُشْرِكَ مَعَهُ أَهْلَهُ فِي الْأَجْرِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَبَحَ كَبْشًا وَقَالَ: «اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ» .

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ مَالِكِينَ فِي شَاةِ الْأُضْحِيَّةِ، أَمَّا كَوْنُ الْمَالِكِ وَاحِدًا فَيُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ بِالشَّاةِ وَيَنْوِي اشْتِرَاكَ أَهْلِ بَيْتِهِ مَعَهُ فِي الْأَجْرِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَتَأَدَّى بِهِ الشِّعَارُ الْإِسْلَامِيُّ عَنْهُمْ جَمِيعًا، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يخُتَلَفَ فِيهِ ; لِدَلَالَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ عَلَيْهِ، كَالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَغَيْرِهِ، كَحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ: كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ، وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ، حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ، فَصَارَ كَمَا تَرَى. قَالَ فِي «الْمُنْتَقَى» : رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ شَارِحُهُ فِي «النَّيْلِ» : وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي «الْمُوَطَّأِ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ، وَالِاشْتِرَاكُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَجْرِ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَصِحُّ وَلَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ، وَكَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لِذَلِكَ شُرُوطًا ثَلَاثَةً. وَهِيَ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْمُضَحِّي، وَقَرَابَتُهُمْ مِنْهُ، وَإِنْفَاقُهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ تَبَرُّعًا. وَلَا أَعْلَمُ لِهَذِهِ الشُّرُوطِ مُسْتَنَدًا مِنَ الْوَحْيِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بِهَا تَحْقِيقُ الْمَنَاطِ فِي مُسَمَّى الْأَهْلِ، وَأَنَّ أَهْلَ الرَّجُلِ هُمْ مَا اجْتَمَعَ فِيهِمُ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا تُسَاعِدُ عَلَى الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِي جَمِيعِ النُّسُكِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ بِاشْتِرَاكِ كُلِّ سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي الْحَجِّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الِاشْتِرَاكَ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْأَجْرِ لَا فِي الرَّقَبَةِ، وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِمُ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَمَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّضْحِيَةِ بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنِ الْمُضَحِّي وَأَهْلِهِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ قَالَ: وَكَرِهَ ذَلِكَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ; لِأَنَّ الشَّاةَ لَا تُجْزِئُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَإِذَا اشْتَرَكَ فِيهَا اثْنَانِ لَمْ تُجْزِئْ عَنْهُمَا انْتَهَى مِنْهُ. وَالْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ: حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ.

الْفَرْعُ السَّابِعُ: اعْلَمْ أَنَّا قَدَّمْنَا وَقْتَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَأَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>