للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ، عِنْدَ مُسْلِمٍ الْمُقْتَضِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِقَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا أَنْ يُقَلِّمَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، حَتَّى يُضَحِّيَ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ: تَحْرِيمُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا، وَلَا يُقَلِّمَنَّ ظُفْرًا» . وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْهَا، عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَلَا يَمَسُّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا» وَفِي الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْ حَلْقِ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ إِلَّا لِصَارِفٍ عَنْهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ: إِنَّ الْحَلْقَ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ ; لِأَنَّ الْمُضَحِّيَ لَيْسَ بِمُحْرِمٍ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: التَّحْرِيمُ أَظْهَرُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ» ، وَالتَّحْرِيمُ الْمَذْكُورُ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: حَكَاهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّقْمِ، وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَحَكَى الشَّيْخُ الْمَوَّاقُ فِي شَرْحِهِ لِخَلِيلٍ، عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ: تَحْرِيمَ الْحَلْقِ، وَتَقْلِيمَ الْأَظَافِرِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِمُرِيدِ التَّضْحِيَةِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: بِالتَّحْرِيمِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: هُوَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ ; لِقَوْلِ عَائِشَةَ: «كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يُقَلِّدُهَا بِيَدِهِ» ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَاللِّبَاسُ، فَلَا يُكْرَهُ لَهُ حَلْقُ الشَّعْرِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُضَحِّيَ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَأَظْهَرُ شَيْءٍ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَأَصْرَحُ وَأَخَصُّهُ فِيهِ: حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : مَذْهَبُنَا أَنَّ إِزَالَةَ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ فِي الْعَشْرِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ: مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، حَتَّى يُضَحِّيَ، وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُكْرَهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَحْمَدُ، وَرَبِيعَةُ، وَإِسْحَاقُ، وَدَاوُدُ: يَحْرُمُ، وَعَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُكْرَهُ، وَحَكَى عَنْهُ الدَّارِمِيُّ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ، وَلَا يَحْرُمُ فِي الْوَاجِبِ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِلْقَوْلَيْنِ.

وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ أَخَصَّهُمَا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ ظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ: وَهُوَ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>