للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَجَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ بِمُقْتَضَى الصِّنَاعَةِ الْأُصُولِيَّةِ: تَرْجِيحُ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ عَلَى أَدِلَّةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْأُصُولِ يُرَجِّحُونَ الْخَبَرَ النَّاقِلَ عَنِ الْأَصْلِ: عَلَى الْخَبَرِ الْمُبْقِي عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ «مَرَاقِي السُّعُودِ» ، فِي مَبْحَثِ التَّرْجِيحِ بِاعْتِبَارِ الْمَدْلُولِ: وَنَاقِلٌ وَمُثْبِتٌ وَالْآمِرُ بَعْدَ النَّوَاهِي ثُمَّ هَذَا الْآخَرُ عَلَى إِبَاحَةِ. . . إِلَخْ.

لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: «وَنَاقِلٌ» أَنَّ الْخَبَرَ النَّاقِلَ عَنِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْخَبَرِ الْمُبْقِي عَلَيْهَا. وَعَزَاهُ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى: «نَشْرُ الْبُنُودِ لِلْجُمْهُورِ» ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ.

الثَّانِي أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ: رَجَّحُوا الْخَبَرَ الدَّالَّ عَلَى الْوُجُوبِ، عَلَى الْخَبَرِ الدَّالِّ عَلَى عَدَمِهِ. وَوَجْهُ ذَلِكَ: هُوَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الطَّلَبِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ «مَرَاقِي السُّعُودِ» ، الْمَذْكُورِ آنِفًا:

ثُمَّ هَذَا الْآخَرُ. . . . عَلَى إِبَاحَةِ إِلَخْ ; لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْآخَرِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْإِبَاحَةِ: هُوَ الْخَبَرُ الدَّالُّ عَلَى الْأَمْرِ، فَالْأَوَّلُ الدَّالُّ عَلَى النَّهْيِ ; لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ، مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، ثُمَّ الدَّالُّ عَلَى الْأَمْرِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الطَّلَبِ، ثُمَّ الدَّالُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَيَشْمَلُ غَيْرَ الْوَاجِبِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَسْنُونَ وَالْمَنْدُوبُ ; لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي عَدَمِ الْعِقَابِ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ.

الثَّالِثُ: أَنَّكَ إِنْ عَمِلْتَ بِقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَهَا فَأَدَّيْتَهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا، وَلَوْ مَشَيْتَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَلَمْ تُؤَدِّهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ بَقِيتَ مُطَالَبًا بِوَاجِبٍ عَلَى قَوْلِ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» ، وَيَقُولُ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» ، وَهَذَا الْمُرَجَّحُ رَاجِعٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِمَا قَبْلَهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ جَمِيعَ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ إِلَّا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. فَلَا تَنْبَغِي الْعُمْرَةُ فِيهَا حَتَّى تَغْرُبَ شَمْسُ الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ، عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>