للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةِ تَطَوُّعٍ فَأَجْرُهُ كَعُمْرَةٍ» .

هَذَا هُوَ حَاصِلُ أَدِلَّةِ مَنْ قَالُوا: بِأَنَّ الْعُمْرَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ.

وَأَجَابَ مُخَالِفُوهُمْ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ، قَالُوا: أَمَّا حَدِيثُ سُؤَالِ الْأَعْرَابِيِّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، وَأَنَّهُ أَجَابَهُ: بِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَنَّهُ إِنِ اعْتَمَرَ تَطَوُّعًا، فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، وَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ مَرْدُودٌ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ: الْحَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى تَضْعِيفِ الْحَجَّاجِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِرَارًا، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» : وَفِي تَصْحِيحِهِ نَظَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَجْلِ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِ التِّرْمِذِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ، فَإِنَّهُ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ، وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي الْعُمْرَةِ شَيْءٌ ثَابِتٌ: أَنَّهَا تَطَوُّعٌ. وَأَفْرَطَ ابْنُ حَزْمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ مَكْذُوبٌ بَاطِلٌ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ حَجَرٍ. ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ: إِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ، وَقَالَ كَذَلِكَ: رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ انْتَهَى مِنْهُ.

هَذَا هُوَ حَاصِلُ حُجَجِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: فِي «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» ، بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ، الَّتِي ذَكَرْنَا فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ مَا نَصُّهُ: قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَبِهَذَا تَعْرِفُ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُحْتَجٌّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَحَجَّةٍ، وَمَنْ مَشَى إِلَى صَلَاةٍ غَيْرِ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَعُمْرَةٍ» ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالْحَقُّ عَدَمُ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ ; لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ، لَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ يَثْبُتُ بِهِ التَّكْلِيفُ، وَلَا دَلِيلَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ، لَا سِيَّمَا مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ: بِعَدَمِ الْوُجُوبِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ اقْتِصَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْحَجِّ فِي حَدِيثِ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» ، وَاقْتِصَارُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ عَلَى الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ [٣ \ ٩٧] ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَا احْتَجَّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، لَا يَقِلُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ، فَيَجِبُ التَّرْجِيحُ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ رَأَيْتُ الشَّوْكَانِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>