للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، عَنْ عَطَاءٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَ: لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ، وَأَجَابُوا عَمَّا جَاءَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ، عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «وَأَنْ تَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ» ، بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْعُمْرَةِ وَهِيَ أَصَحُّ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ زِيَادَةَ الْعُدُولِ مَقْبُولَةٌ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: هُوَ مَا ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» ، فِي شَرْحِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَنَصُّ كَلَامِهِ: فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ وُقُوعَ الْعُمْرَةِ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ عَنِ الْإِسْلَامِ: يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، فَيُقَالُ: لَيْسَ كُلُّ أَمْرٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَاجِبًا. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: حَدِيثُ شُعَبِ الْإِسْلَامِ، وَالْإِيمَانِ، فَإِنَّهُ اشْتَمَلَ عَلَى أُمُورٍ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، انْتَهَى مِنْهُ، وَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ.

وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: بِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» ، بِأَنَّ لَفْظَةَ: «عَلَيْهِنَّ» : لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْوُجُوبِ، فَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَإِذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِإِرَادَةِ الْوُجُوبِ وَالسُّنَّةِ الْمُؤَكِّدَةِ، لَزِمَ طَلَبُ الدَّلِيلِ بِأَمْرٍ خَارِجٍ وَقَدْ دَلَّ دَلِيلٌ خَارِجٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ خَارِجٌ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ عَلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ.

هَذَا هُوَ حَاصِلُ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ، وَمُنَاقَشَةُ مُخَالِفِيهِمْ لَهُمْ.

أَمَّا الْقَائِلُونَ: بِأَنَّ الْعُمْرَةَ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ، فَقَدِ احْتَجُّوا أَيْضًا بِأَدِلَّةٍ:

مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ الْعُمْرَةِ، أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: «لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَوْلَى لَكَ» ، وَقَالَ صَاحِبُ «نَيْلِ الْأَوْطَارِ» : وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّلْخِيصِ» ، وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَأَبُو صَالِحٍ: لَيْسَ هُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ، بَلْ هُوَ: أَبُو صَالِحٍ مَاهَانُ الْحَنَفِيُّ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْحَنَفِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» ، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>