للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَرْقَمَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ: إِنَّمَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ وَهِمَ فِيهِ، وَحَمَلَهُ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى بَقِيَّةُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِإِسْنَادِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مِثْلَهُ اهـ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِهِ. وَفِيهِ سُوءُ ظَنٍّ كَثِيرٌ بِالزُّهْرِيِّ، وَهُوَ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْ إِسْنَادِ الْحَدِيثِ وَاسِطَتَيْنِ: وَهُمَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَأَرْسَلَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ، لَا يَصِحُّ ; لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَمِمَّا يُقَوِّي سُوءَ الظَّنِّ الْمَذْكُورَ بِالزُّهْرِيِّ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ أَرْقَمَ الَّذِي حَذَفَهُ مِنَ الْإِسْنَادِ مَتْرُوكٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، فَحَذْفُ الْمَتْرُوكِ. وَرِوَايَةُ حَدِيثِهِ عَمَّنْ فَوْقَهُ مِنَ الْعُدُولِ مِنْ تَدْلِيسِ التَّسْوِيَةِ، وَهُوَ شَرُّ أَنْوَاعِ التَّدْلِيسِ وَأَقْبَحُهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّدْلِيسِ قَادِحٌ فِيمَنْ تَعَمَّدَهُ. وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ: مِنْ أَنَّ الثَّوْرِيَّ وَالْأَعْمَشَ كَانَا يَفْعَلَانِ هَذَا النَّوْعَ مِنَ التَّدْلِيسِ مُجَابٌ عَنْهُ بِأَنَّهُمَا لَا يُدَلِّسَانِ إِلَّا عَمَّنْ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَهُمَا. وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ غَيْرِهِمَا. وَمِنَ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَكُونَ الزُّهْرِيُّ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِسُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ مَعَ اتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ عَلَى عَدَمِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ لُزُومَ الْكَفَّارَةِ فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ، لَا يَخْلُو شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ كَلَامٍ. وَقَدْ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: قَالَ النَّوَوِيُّ فِي «الرَّوْضَةِ» : حَدِيثُ «لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ، ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ. قَالَ الْحَافِظُ: قُلْتُ: قَدْ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ، فَأَيْنَ الِاتِّفَاقُ. انْتَهَى مِنْهُ. وَقَدْ تَرَكْنَا تَتَبُّعَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ، وَمُنَاقَشَتَهَا اخْتِصَارًا. وَالْأَحْوَطُ لُزُومُ الْكَفَّارَةِ ; لِأَنَّ الْأَمْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الطَّلَبِ. فَمَنْ أَخْرَجَ كَفَّارَةً عَنْ نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ، فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْجَمِيعِ، وَمَنْ لَمْ يُخْرِجْهَا بَقِيَ مُطَالَبًا بِهَا عَلَى قَوْلِ أَحْمَدَ، وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: اعْلَمْ أَنَّ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا مِنَ الطَّاعَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ، لِعَجْزِهِ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>