أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ مَعْنَى النذُّطْفَةِ، وَالْعَلَقَةِ، وَالْمُضْغَةِ، وَبَيَّنَّا أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْمُخَلَّقَةِ، وَغَيْرِ الْمُخَلَّقَةِ، وَالصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ وَأَوْضَحْنَا أَحْكَامَ الْحَمْلِ إِذَا سَقَطَ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً هَلْ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّةُ الْحَامِلِ أَوْ لَا؟
وَهَلْ تَكُونُ الْأَمَةُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ إِنْ كَانَ مِنْ سَيِّدِهَا أَوْ لَا؟ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَمْلِ السَّاقِطِ، وَمَتَى يَرِثُ، وَيُوَرَّثُ، وَمَتَى يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَاتِ [٢٢ \ ٥] ، وَسَنَذْكُرُ هُنَا مَا لَمْ نُبَيِّنْهُ هُنَالِكَ مَعَ ذِكْرِ الْآيَاتِ الَّتِي لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْمَعْنَى، أَمَّا مَعْنَى السُّلَالَةِ: فَهِيَ فُعَالَةٌ مِنْ سَلَلْتُ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ، إِذَا اسْتَخْرَجْتَهُ مِنْهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ:
خَلَقَ الْبَرِيَّةَ مِنْ سُلَالَةِ مُنْتِنٍ ... وَإِلَى السُّلَالَةِ كُلِّهَا سَتَعُودُ
وَالْوَلَدُ سُلَالَةُ أَبِيهِ كَأَنَّهُ انْسَلَّ مِنْ ظَهْرِ أَبِيهِ.
وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -:
فَجَاءَتْ بِهِ عَضْبَ الْأَدِيمِ غَضَنْفَرًا ... سُلَالَةُ فَرْجٍ كَانَ غَيْرَ حَصِينِ
وَبِنَاءُ الِاسْمِ عَلَى الْفُعَالَةِ، يَدُلُّ عَلَى الْقِلَّةِ كَقُلَامَةِ الظُّفْرِ، وَنُحَاتَةِ الشَّيْءِ الْمَنْحُوتِ، وَهِيَ مَا يَتَسَاقَطُ مِنْهُ عِنْدَ النَّحْتِ، وَالْمُرَادُ بِخَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ سُلَالَةِ الطِّينِ: خَلْقُ أَبِيهِمْ آدَمَ مِنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ [٣ \ ٥٩] .
وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِيمَا مَضَى أَطْوَارَ ذَلِكَ التُّرَابِ، وَأَنَّهُ لَمَّا بُلَّ بِالْمَاءِ صَارَ طِيبًا وَلَمَّا خُمِّرَ صَارَ طِينًا لَازِبًا يُلْصَقُ بِالْيَدِ، وَصَارَ حَمَأً مَسْنُونًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: طِينًا أَسْوَدَ مُنْتِنًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَسْنُونُ: الْمُصَوَّرُ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ، ثُمَّ لَمَّا خَلَقَهُ مِنْ طِينٍ خَلَقَ مِنْهُ زَوْجَهُ حَوَّاءَ، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ النِّسَاءِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [٤ \ ١] وَقَالَ فِي الْأَعْرَافِ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [٧ \ ١٨٩] وَقَالَ فِي الزُّمَرِ: ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا [٣٩ \ ٦] كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُ ذَلِكَ كُلِّهِ، ثُمَّ لَمَّا خَلَقَ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، كَانَ وُجُودُ جِنْسِ الْإِنْسَانِ مِنْهُمَا عَنْ طَرِيقِ التَّنَاسُلِ، فَأَوَّلُ أَطْوَارِهِ: النُّطْفَةُ، ثُمَّ الْعَلَقَةُ، إِلَخْ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَغْلَبَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ، وَقَوْلُهُ هُنَا: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ [٢٣ \ ١٢] يَعْنِي: بَدْأَهُ خَلْقَ نَوْعِ الْإِنْسَانِ بِخَلْقِ آدَمَ، وَقَوْلُهُ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً [٢٣ \ ١٣] ، أَيْ: بَعْدَ خَلْقِ آدَمَ وَحَوَّاءَ، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: ثُمَّ جَعَلْنَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute