لِنَوْعِ الْإِنْسَانِ، الَّذِي هُوَ النَّسْلُ لِدَلَالَةِ الْمَقَامِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِمْ: عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ أَيْ: وَنِصْفُ دِرْهَمٍ آخَرُ، كَمَا أَوْضَحَ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [٣٢ \ ٦ - ٩] وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ [٣٠ \ ٢٠] وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ أَطْوَارِ خَلْقِهِ الْإِنْسَانَ، أَمَرَ كُلَّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ إِلَّا لِدَلِيلٍ صَارِفٍ عَنْهُ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ الْآيَةَ [٨٦ \ ٥ - ٦] ، وَقَدْ أَشَارَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، إِلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ بِنَقْلِهِ الْإِنْسَانَ فِي خَلْقِهِ مِنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ، كَمَا أَوْضَحَهُ هُنَا ; وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا [٧١ \ ١٣ - ١٤] وَبَيَّنَ أَنَّ انْصِرَافَ خَلْقِهِ عَنِ التَّفَكُّرِ فِي هَذَا وَالِاعْتِبَارِ بِهِ مِمَّا يَسْتَوْجِبُ التَّسَاؤُلَ وَالْعَجَبَ، وَأَنَّ مِنْ غَرَائِبِ صُنْعِهِ وَعَجَائِبِ قُدْرَتِهِ نَقْلَهُ الْإِنْسَانَ مِنَ النُّطْفَةِ، إِلَى الْعَلَقَةِ، وَمِنَ الْعَلَقَةِ إِلَى الْمُضْغَةِ إِلَخْ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَشُقَّ بَطْنَ أُمِّهِ بَلْ هُوَ مُسْتَتِرٌ بِثَلَاثِ ظُلُمَاتٍ: وَهِيَ ظُلْمَةُ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ الْمُنْطَوِيَةِ عَلَى الْجَنِينِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - جَلَّ وَعَلَا -: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [٣٩ \ ٦] فَتَأَمَّلْ مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ، أَيْ: عَنْ هَذِهِ الْعَجَائِبِ وَالْغَرَائِبِ، الَّتِي فَعَلَهَا فِيكُمْ رَبُّكُمْ وَمَعْبُودُكُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [٣ \ ٦] وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [٢٢ \ ٥] ثُمَّ ذَكَرَ الْحِكْمَةَ فَقَالَ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ [٢٢ \ ٥] أَيْ: لِنُظْهِرَ لَكُمْ بِذَلِكَ عَظَمَتَنَا، وَكَمَالَ قُدْرَتِنَا، وَانْفِرَادَنَا بِالْإِلَهِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ، وَقَالَ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا [٤٠ \ ٦٧] وَقَالَ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [٧٥ \ ٣٦ - ٤٠] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ أَبْهَمَ هَذِهِ الْأَطْوَارَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute