للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَعَلَيْهِ التَّعْزِيرُ، وَآكَدُ التَّعْزِيرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا، وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ: يَا كَلْبُ، يَا تَيْسُ، يَا حِمَارُ، يَا خِنْزِيرُ، يَا بَقَرُ، يَا حَيَّةُ، يَا حَجَّامُ، يَا بَبْغَاءُ، يَا مُؤَاجِرُ، يَا وَلَدَ الْحَرَامِ، يَا عَيَّارُ، يَا نَاكِسُ، يَا مَنْكُوسُ، يَا سُخْرَةُ، يَا ضُحَكَةُ، يَا كَشْخَانُ، يَا أَبْلَهُ، يَا مَسُوسُ ; فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَا يُعَزَّرُ بِهَا، قَالَ صَاحِبُ «تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ» : لَا يُعَزَّرُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا ; لِأَنَّ مِنْ عَادَتِهِمْ إِطْلَاقَ الْحِمَارِ وَنَحْوِهِ بِمَعْنَى الْبَلَادَةِ وَالْحِرْصِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الشَّتِيمَةَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ بِهِ وَيَقُولُونَ: عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَلٌ ; وَلِأَنَّ الْمَقْذُوفَ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِالْقَاذِفِ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ آدَمِيٌّ، وَلَيْسَ بِكَلْبٍ وَلَا حِمَارٍ وَأَنَّ الْقَاذِفَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ، وَحَكَى الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّهُ يُعَزَّرُ فِي زَمَانِنَا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ ; لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الشَّتْمُ فِي عُرْفِنَا.

وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُعَزَّرُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمَنْسُوبُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَشْرَافِ كَالْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ يُعَزَّرُ ; لِأَنَّهُ يُعَدُّ شَيْنًا فِي حَقِّهِ، وَتَلْحَقُهُ الْوَحْشَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعَامَّةِ لَا يُعَزَّرُ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ، وَمِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ: يَا رُسْتَاقِيُّ، وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ، وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ، وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ، اهـ مِنْ «تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ» .

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ أَنَّهَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَوُجُوبُ التَّعْزِيرِ بِهَا كَمَا ذَكَرُوا وَاضِحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْهُمْ أَنَّهَا لَا تَعْزِيرَ فِيهَا، فَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهَا يَجِبُ فِيهَا التَّعْزِيرُ ; لِأَنَّهَا كُلُّهَا شَتْمٌ وَعَيْبٌ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِإِنْسَانٍ: يَا كَلْبُ، يَا خِنْزِيرُ، يَا حِمَارُ، يَا تَيْسُ، يَا بَقَرُ، إِلَى آخِرِهِ، أَنَّ هَذَا شَتْمٌ وَاضِحٌ لَا خَفَاءَ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ، وَلَكِنَّ مُرَادَهُ تَشْبِيهُ الْإِنْسَانِ بِالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فِي الْخِسَّةِ وَالصِّفَاتِ الذَّمِيمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى، فَهُوَ مِنْ نَوْعِ التَّشْبِيهِ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْبَلَاغِيُّونَ تَشْبِيهًا بَلِيغًا وَلَا شَكَّ أَنَّ عَاقِلًا قِيلَ لَهُ: يَا كَلْبُ، أَوْ يَا خِنْزِيرُ مَثَلًا أَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهِ، وَلَا يُشَكُّ أَنَّهُ شَتْمٌ، فَهُوَ أَذًى ظَاهِرٌ، وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ التَّعْزِيرُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمَذْكُورَةِ، وَكَوْنُهُمْ يُسَمُّونَ الرَّجُلَ حِمَارًا أَوْ كَلْبًا لَا يُنَافِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُسَمِّي ابْنَهُ بَاسِمٍ قَبِيحٍ لَا يَرْضَى غَيْرُهُ أَنْ يُعَابَ بِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا ابْنَ الْأَسْوَدِ، وَلَيْسَ أَبُوهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَجْدَادِهِ بِأَسْوَدَ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِنَسَبِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: يَا ابْنَ الْحَجَّامِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَبُوهُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَجْدَادِهِ حَجَّامًا فَهُوَ قَذْفٌ ; لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِنَسَبِهِ وَإِلْصَاقٌ لَهُ بِأَسْوَدَ أَوْ حَجَّامٍ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>