الْأَجَانِبُ، وَهِيَ الظَّاهِرُ مِنَ الثِّيَابِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا يَبْدُو لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا الْأَسْوِرَةُ وَالْأَخْمِرَةُ وَالْأَقْرِطَةُ مِنْ غَيْرِ حَسْرٍ، وَأَمَّا عَامَّةُ النَّاسِ، فَلَا يَبْدُو مِنْهَا إِلَّا الْخَوَاتِمُ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الْخَاتَمُ وَالْخَلْخَالُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَمَنْ تَابَعَهُ أَرَادُوا تَفْسِيرَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا: بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي «سُنَنِهِ» :
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْطَاكِيُّ، وَمُؤَمِّلُ بْنُ الْفَضْلِ الْحَرَّانِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَقَالَ «: يَا أَسْمَاءُ، إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا» ، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ، لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ، وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: هُوَ مُرْسَلٌ، خَالِدُ بْنُ دُرَيْكٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ، اهـ كَلَامُ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَدْرِ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الثِّيَابُ، وَزَادَ ابْنُ جُبَيْرٍ: الْوَجْهُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا، وَعَطَاءٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَالثِّيَابُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: ظَاهِرُ الزِّينَةِ هُوَ الْكُحْلُ وَالسِّوَارُ وَالْخِضَابُ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَالْقِرَطَةُ وَالْفَتَخُ وَنَحْوُ هَذَا، فَمُبَاحٌ أَنْ تُبْدِيَهُ الْمَرْأَةُ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا مِنَ النَّاسِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ فِي مَعْنَى نِصْفِ الذِّرَاعِ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِذَا عَرَكَتْ أَنْ تُظْهِرَ إِلَّا وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا إِلَى هَاهُنَا» ، وَقَبَضَ عَلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَيَظْهَرُ لِي بِحُكْمِ أَلْفَاظِ الْآيَةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ مَأْمُورَةٌ بِأَنْ لَا تُبْدِيَ وَأَنْ تَجْتَهِدَ فِي الْإِخْفَاءِ لِكُلِّ مَا هُوَ زِينَةٌ، وَوَقَعَ الِاسْتِثْنَاءُ فِيمَا يَظْهَرُ بِحُكْمِ ضَرُورَةِ حَرَكَةٍ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، أَوْ إِصْلَاحِ شَأْنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَمَا ظَهَرَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِمَّا تُؤَدِّي إِلَيْهِ الضَّرُورَةُ فِي النِّسَاءِ، فَهُوَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظُهُورُهُمَا عَادَةً، وَعِبَادَةً وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثُمَّ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute