قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا، ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادَ مِنْ عُلَمَائِنَا: إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ جَمِيلَةً، وَخِيفَ مِنْ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا الْفِتْنَةُ، فَعَلَيْهَا سَتْرُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا أَوْ مُقَبَّحَةً جَازَ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا، اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الزِّينَةُ مَا تَزَيَّنَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ مِنْ حُلِيٍّ أَوْ كُحْلٍ أَوْ خِضَابٍ، فَمَا كَانَ ظَاهِرًا مِنْهَا كَالْخَاتَمِ وَالْفَتْخَةِ وَالْكُحْلِ وَالْخِضَابِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا خَفِيَ مِنْهَا كَالسِّوَارِ، وَالْخَلْخَالِ، وَالدُّمْلُجِ، وَالْقِلَادَةِ، وَالْإِكْلِيلِ، وَالْوِشَاحِ، وَالْقُرْطِ، فَلَا تُبْدِيهِ إِلَّا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَذَكَرَ الزِّينَةَ دُونَ مَوَاقِعِهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْأَمْرِ بِالتَّصَوُّنِ وَالتَّسَتُّرِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الزِّينَةَ وَاقِعَةٌ عَلَى مَوَاضِعَ مِنَ الْجَسَدِ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ، وَهِيَ الذِّرَاعُ، وَالسَّاقُ، وَالْعَضُدُ، وَالْعُنُقُ، وَالرَّأْسُ، وَالصَّدْرُ، وَالْأُذُنُ، فَنَهَى عَنْ إِبْدَاءِ الزِّينَةِ نَفْسِهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ النَّظَرَ إِذَا لَمْ يَحِلَّ إِلَيْهَا لِمُلَابَسَتِهَا تِلْكَ الْمَوَاقِعَ، بِدَلِيلِ أَنَّ النَّظَرَ إِلَيْهَا غَيْرَ مُلَابَسَةٍ لَهَا لَا مَقَالَ فِي حِلِّهِ، كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْمَوَاقِعِ أَنْفُسِهَا مُتَمَكِّنًا فِي الْحَظْرِ، ثَابِتَ الْقَدَمِ فِي الْحُرْمَةِ، شَاهِدًا عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ حَقُّهُنَّ أَنْ يَحْتَطْنَ فِي سَتْرِهَا وَيَتَّقِينَ اللَّهَ فِي الْكَشْفِ عَنْهَا، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ «الدُّرِّ الْمَنْثُورِ» : وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْفِرْيَابِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ قَالَ: الزِّينَةُ السِّوَارُ وَالدُّمْلُجُ وَالْخَلْخَالُ، وَالْقُرْطُ، وَالْقِلَادَةُ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ: الثِّيَابُ وَالْجِلْبَابُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: الزِّينَةُ زِينَتَانِ،، زِينَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَزِينَةٌ بَاطِنَةٌ لَا يَرَاهَا إِلَّا الزَّوْجُ. فَأَمَّا الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ: فَالثِّيَابُ، وَأَمَّا الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ: فَالْكُحْلُ، وَالسِّوَارُ وَالْخَاتَمُ، وَلَفْظُ ابْنِ جَرِيرٍ: فَالظَّاهِرَةُ مِنْهَا الثِّيَابُ، وَمَا يَخْفَى: فَالْخَلْخَالَانِ وَالْقُرْطَانِ وَالسِّوَارَانِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ.
وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا قَالَ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute