فَعْلَيْكُمْ أَنْ تَحْذَرُوا يَا كُفَّارَ مَكَّةَ مِنْ تَكْذِيبِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْكُفْرِ بِمَا جَاءَ بِهِ لِئَلَّا نُهْلِكَكُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَمَا أَهْلَكْنَا بِهِ الْقُرُونَ الْكَثِيرَةَ الْمَاضِيَةَ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثَ مَسَائِلَ:
الْأُولَى: أَنَّهُ أَهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، يُهَدِّدُ كُفَّارَ مَكَّةَ بِذَلِكَ.
الثَّانِيَةَ: أَنَّهُمْ نَادَوْا أَيْ عِنْدَ مُعَايَنَةِ أَوَائِلِ الْهَلَاكِ.
الثَّالِثَةَ: أَنَّ ذَلِكَ الْوَقْتَ الَّذِي هُوَ وَقْتُ مُعَايَنَةِ الْعَذَابِ لَيْسَ وَقْتَ نِدَاءٍ، أَيْ فَهُوَ وَقْتٌ لَا مَلْجَأَ فِيهِ، وَلَا مَفَرَّ مِنَ الْهَلَاكِ بَعْدَ مُعَايَنَتِهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَ الْمَذْكُورَةَ هُنَا مُوَضَّحَةً فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ.
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ كَوْنُهُ أَهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمَمِ، فَقَدْ ذَكَرَهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ [١٧ \ ١٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ الْآيَةَ [٢٢ \ ٤٥] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ الْآيَةَ [١٤ \ ٩] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ سَبَبَ إِهْلَاكِ تِلْكَ الْأُمَمِ الْكُفْرُ بِاللَّهِ وَتَكْذِيبُ رُسُلِهِ كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ مُبَيِّنًا سَبَبَ إِهْلَاكِ تِلْكَ الْأُمَمِ الَّتِي صَرَّحَ بِأَنَّهَا: لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ [١٤ \ ٩] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ، أَقْوَالَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَبَيَّنَّا دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضِهَا، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [٦٥ \ ٨ - ٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً إِلَى قَوْلِهِ: وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا [٢٥ \ ٣٧ - ٣٩] وَقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute