للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [٦١ \ ٥] فَبَيَّنَ أَنَّ زَيْغَهُمُ الْأَوَّلَ كَانَ سَبَبًا لِإِزَاغَةِ اللَّهِ قُلُوبَهُمْ، وَتِلْكَ الْإِزَاغَةُ قَدْ تَكُونُ بِالْأَكِنَّةِ وَالطَّبْعِ وَالْخَتْمِ عَلَى الْقُلُوبِ.

وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [٢ \ ١٠] وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَةَ [٦ \ ١١٠] وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [٩ \ ١٢٥] .

وَإِيضَاحُ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ إِخْبَارَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ بِوَجْهٍ، وَلَا يَتَّبِعُونَهُ بِحَالٍ، وَلَا يُقِرُّونَ بِالْحَقِّ الَّذِي هُوَ كَوْنُ كُفْرِهِمْ هَذَا هُوَ الْجَرِيمَةُ وَالذَّنْبُ الَّذِي كَانَ سَبَبًا فِي الْأَكِنَّةِ وَالْوَقْرِ وَالْحِجَابِ.

فَدَعْوَاهُمْ كَاذِبَةٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ قُلُوبًا يَفْهَمُونَ بِهَا، وَآذَانًا يَسْمَعُونَ بِهَا، خِلَافًا لِمَا زَعَمُوا، وَلَكِنَّهُ سَبَّبَ لَهُمُ الْأَكِنَّةَ وَالْوَقْرَ وَالْحِجَابَ بِسَبَبِ مُبَادَرَتِهِمْ إِلَى الْكُفْرِ، وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَهَذَا الْمَعْنَى أَوْضَحَهُ رَدُّهُ - تَعَالَى - عَلَى الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِ عَنْهُمْ: وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ.

وَقَدْ حَاوَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْجَوَابَ عَلَى الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ، فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ إِنَّهُ - تَعَالَى - حَكَى هَذَا الْمَعْنَى عَنِ الْكُفَّارِ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، وَذَكَرَ أَيْضًا مَا يَقْرُبُ مِنْهُ فِي مَعْرِضِ الذَّمِّ، فَقَالَ: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ [٢ \ ٨٨] ثُمَّ إِنَّهُ - تَعَالَى - ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الثَّلَاثَةَ بِعَيْنِهَا فِي مَعْنَى التَّقْرِيرِ وَالْإِثْبَاتِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَقَالَ: وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا [٦ \ ٢٥] فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؟

قُلْنَا: إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَا هُنَا إِنَّهُمْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ، إِنَّمَا الَّذِي ذَمَّهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّا إِذَا كُنَّا كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَكْلِيفُنَا وَتَوْجِيهُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ عَلَيْنَا، وَهَذَا الثَّانِي بَاطِلٌ.

أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِيهِ. اهـ مِنْهُ. وَالْأَظْهَرُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>