هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ [٢ \ ٢٩] ، الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، بِدَلِيلِ لَفْظَةِ (ثُمَّ) الَّتِي هِيَ لِلتَّرْتِيبِ وَالِانْفِصَالِ.
وَكَذَلِكَ آيَةِ «حم السَّجْدَةِ» تَدُلُّ أَيْضًا عَلَى خَلْقِ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ الْآيَةَ.
مَعَ أَنَّ آيَةَ «النَّازِعَاتِ» تَدُلُّ عَلَى أَنَّ دَحْوَ الْأَرْضِ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا.
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - سُئِلَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ آيَةِ «السَّجْدَةِ» وَآيَةِ «النَّازِعَاتِ» فَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا قَبْلَ السَّمَاءِ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعًا فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَجَعَلَ فِيهَا الرَّوَاسِيَ وَالْأَنْهَارَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
فَأَصْلُ خَلْقِ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، وَدَحْوُهَا بِجِبَالِهَا وَأَشْجَارِهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا أَنَّهُ قَالَ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا وَلَمْ يَقُلْ: خَلَقَهَا، ثُمَّ فَسَّرَ دَحْوَهُ إِيَّاهَا بِقَوْلِهِ: أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا [٧٩ \ ٣١] ، وَهَذَا الْجَمْعُ الَّذِي جَمَعَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ وَاضِحٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ، مَفْهُومٌ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ إِشْكَالٌ مِنْ آيَةِ «الْبَقَرَةِ» هَذِهِ.
وَإِيضَاحُهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ جَمَعَ بِأَنَّ خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، وَدَحْوَهَا بِمَا فِيهَا بَعْدَ خَلْقِ السَّمَاءِ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْأَرْضِ مَخْلُوقٌ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ الْآيَةَ.
وَقَدْ مَكَثْتُ زَمَنًا طَوِيلًا أُفَكِّرُ فِي حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ حَتَّى هَدَانِي اللَّهُ إِلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ، فَفَهِمْتُهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ.
وَإِيضَاحُهُ: أَنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ مَرْفُوعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ، كُلٌّ مِنْهُمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ.