للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِخَلْقِ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ - الْخَلْقُ اللُّغَوِيُّ الَّذِي هُوَ التَّقْدِيرُ، لَا الْخَلْقُ بِالْفِعْلِ، الَّذِي هُوَ الْإِبْرَازُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي التَّقْدِيرَ خَلْقًا. وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:

وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ ... وَبَعْضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْخَلْقِ التَّقْدِيرُ أَنَّهُ - تَعَالَى - نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ «فُصِّلَتْ» ; حَيْثُ قَالَ: وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ الْآيَةَ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ الْأَرْضَ غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ وَهِيَ أَصْلٌ لِكُلِّ مَا فِيهَا كَانَ كُلَّ مَا فِيهَا كَأَنَّهُ خُلِقَ بِالْفِعْلِ لِوُجُودِ أَصْلِهِ فِعْلًا.

وَالدَّلِيلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ وُجُودَ الْأَصْلِ يُمْكِنُ بِهِ إِطْلَاقُ الْخَلْقِ عَلَى الْفَرْعِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا بِالْفِعْلِ - قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ الْآيَةَ [٧ \ ١١] ، فَقَوْلُهُ: خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ أَيْ بِخَلْقِنَا وَتَصْوِيرِنَا لِأَبِيكُمْ آدَمَ الَّذِي هُوَ أَصْلُكُمْ.

وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَيْ مَعَ ذَلِكَ، فَلَفْظَةُ (بَعْدَ) بِمَعْنَى مَعَ.

وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ وَعَلَيْهِ ; فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ.

وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا الْقَوْلِ بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ - وَبِهَا قَرَأَ مُجَاهِدٌ -: (وَالْأَرْضَ مَعَ ذَلِكَ دَحَاهَا) .

وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَوْجُهٍ ضَعِيفَةٍ ; لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ الْأَرْضِ، وَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ.

مِنْهَا: أَنَّ (ثُمَّ) بِمَعْنَى الْوَاوِ.

وَمِنْهَا: أَنَّهَا لِلتَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ [٩٠ \ ١٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>