فَقَوْلُهُ: رِيحٌ صِرٌّ، أَيْ بَارِدَةٌ شَدِيدَةُ الْبَرْدِ.
وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ صَحِيحٌ، وَأَنَّ الرِّيحَ الْمَذْكُورَةَ جَامِعَةٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَهِيَ عَاصِفَةٌ شَدِيدَةُ الْهُبُوبِ، بَارِدَةٌ شَدِيدةُ الْبَرْدِ.
وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - مِنْ إِهْلَاكِهِ عَادًا بِهَذِهِ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ، فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ النَّحِسَاتِ - أَيِ الْمَشْئُومَاتِ النَّكِدَاتِ; لِأَنَّ النَّحْسَ ضِدُّ السَّعْدِ، وَهُوَ الشُّؤْمُ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - فِي بَعْضِهَا عَدَدَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي الَّتِي أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ فِيهَا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [٦٩ \ ٦ - ٨] ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [٥١ \ ٤١ - ٤٢] ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [٥٤ \ ١٩ - ٢٠] ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا الْآيَةَ [٤٦ \ ٢٤ - ٢٥] .
وَهَذِهِ الرِّيحُ الصَّرْصَرُ هِيَ الْمُرَادُ بِصَاعِقَةِ عَادٍ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ الْآيَةَ [٤١ \ ١٣] .
وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عُمَرَ (نَحْسَاتٍ) بِسُكُونِ الْحَاءِ; وَعَلَيْهِ فَالنَّحْسُ وَصْفٌ أَوْ مَصْدَرٌ، نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْوَصْفِ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ (نَحِسَاتٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ.
قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَعْنَى النَّحِسَاتِ الْمَشْئُومَاتُ النَّكِدَاتُ.
وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: وَأَخْرَجَ الطَّسْتِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ نَافِعَ بْنَ الْأَزْرَقِ قَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ -: فِي يَوْمِ نَحْسٍ [٥٤ \ ١٩] . قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute