النَّحْسُ الْبَلَاءُ وَالشِّدَّةُ. قَالَ: وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ زُهَيْرَ بْنَ أَبِي سُلْمَى يَقُولُ:
سَوَاءٌ عَلَيْهِ أَيَّ يَوْمٍ أَتَيْتُهُ ... أَسَاعَةَ نَحْسٍ تَتَّقِي أَمْ بِأَسْعَدِ
وَتَفْسِيرُ النَّحْسِ بِالْبَلَاءِ وَالشِّدَّةِ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى ; لِأَنَّ الشُّؤْمَ بَلَاءٌ وَشِدَّةٌ، وَمُقَابَلَةُ زُهَيْرٍ النَّحْسَ بِالْأَسْعَدِ فِي بَيْتِهِ يُوَضِّحُ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ.
وَيَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهَا مِنْ آخَرِ شَوَّالٍ، وَأَنَّ أَوَّلَهَا يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ، وَآخِرَهَا يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَمَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ يَوْمَ النَّحْسِ الْمُسْتَمِرِّ هُوَ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الْأَخِيرُ مِنَ الشَّهْرِ، أَوْ يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ مُطْلَقًا، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْمُنْتَسِبِينَ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَكَثِيرًا مِنَ الْعَوَامِّ صَارُوا يَتَشَاءَمُونَ بِيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ الْأَخِيرِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَا يُقْدِمُونَ عَلَى السَّفَرِ وَالتَّزَوُّجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيهِ، ظَانِّينَ أَنَّهُ يَوْمُ نَحْسٍ وَشُؤْمٍ، وَأَنَّ نَحْسَهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي جَمِيعِ الزَّمَنِ - لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ; لِأَنَّ نَحْسَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُسْتَمِرٌّ عَلَى عَادٍ فَقَطِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ فِيهِ، فَاتَّصَلَ لَهُمْ عَذَابُ الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ بِعَذَابِ الدُّنْيَا، فَصَارَ ذَلِكَ الشُّؤْمُ مُسْتَمِرًّا عَلَيْهِمُ اسْتِمْرَارًا لَا انْقِطَاعَ لَهُ.
أَمَّا غَيْرُ عَادٍ فَلَيْسَ مُؤَاخَذًا بِذَنْبِ عَادٍ ; لِأَنَّهُ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.
وَقَدْ أَرَدْنَا هُنَا أَنْ نَذْكُرَ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اغْتَرَّ بِهَا مَنْ ظَنَّ اسْتِمْرَارَ نَحْسَ ذَلِكَ الْيَوْمِ ; لِنُبَيِّنَ أَنَّهَا لَا مُعَوِّلَ عَلَيْهَا.
قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ قَالَ: يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَالَ لِي جِبْرِيلُ: اقْضِ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَقَالَ: يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» .
وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَيَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمُ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» .ُُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute