فَهَلْ فِيهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْوَصْفَ بِذَلِكَ؟
سُبْحَانَ رَبِّنَا وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [١٦ \ ١١٦ - ١١٧] .
فَقَدْ أَوْضَحَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْمُشَرِّعِينَ غَيْرَ مَا شَرَّعَهُ اللَّهُ إِنَّمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ، لِأَجْلِ أَنْ يَفْتَرُوهُ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُمْ لَا يُفْلِحُونَ، وَأَنَّهُمْ يُمَتَّعُونَ قَلِيلًا ثُمَّ يُعَذَّبُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ، وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي بُعْدِ صِفَاتِهِمْ مِنْ صِفَاتِ مَنْ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَ وَيُحَرِّمَ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ [٦ \ ١٥٠] .
فَقَوْلُهُ: هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ صِيغَةُ تَعْجِيزٍ، فَهُمْ عَاجِزُونَ عَنْ بَيَانِ مُسْتَنَدِ التَّحْرِيمِ. وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ التَّحْلِيلِ وَلَا التَّحْرِيمِ. وَلَمَّا كَانَ التَّشْرِيعُ وَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ - شَرْعِيَّةً كَانَتْ أَوْ كَوْنِيَّةً قَدَرِيَّةً - مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ - كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ - كَانَ كُلُّ مَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعًا غَيْرَ تَشْرِيعِ اللَّهِ قَدِ اتَّخَذَ ذَلِكَ الْمُشَرِّعَ رَبًّا، وَأَشْرَكَهُ مَعَ اللَّهِ.
وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا كَثِيرَةٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا وَسَنُعِيدُ مِنْهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ، فَمِنْ ذَلِكَ - وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِهِ وَأَصْرِحِهِ - أَنَّهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَعَتْ مُنَاظَرَةٌ بَيْنَ حِزْبِ الرَّحْمَنِ وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ فِي حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، وَحِزْبُ الرَّحْمَنِ يَتَّبِعُونَ تَشْرِيعَ الرَّحْمَنِ فِي وَحْيِهِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَحِزْبُ الشَّيْطَانِ يَتَّبِعُونَ وَحْيَ الشَّيْطَانِ فِي تَحْلِيلِهِ.
وَقَدْ حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَأَفْتَى فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ فَتْوَى سَمَاوِيَّةً قُرْآنِيَّةً تُتْلَى فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» .
وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمَّا أَوْحَى إِلَى أَوْلِيَائِهِ فَقَالَ لَهُمْ فِي وَحْيِهِ: سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الشَّاةِ تُصْبِحُ مَيْتَةً، مَنْ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا؟ فَأَجَابُوهُمْ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهَا.
فَقَالُوا: الْمَيْتَةُ إِذًا ذَبِيحَةُ اللَّهِ، وَمَا ذَبَحَهُ اللَّهُ كَيْفَ تَقُولُونَ إِنَّهُ حَرَامٌ؟ مَعَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute