وَمَا رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَحْضُرُ نِكَاحَ سَوْدَاءَ بِأَبْيَضَ وَلَا بَيْضَاءَ بِأَسْوَدَ، وَيَقُولُ: هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [١٤ \ ١١٩] ، فَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ اللَّفْظَ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُهُ، فَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ بِالْآيَةِ فَمِنْ ذَلِكَ إِنْفَاذُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِكَاحَ مَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ أَبْيَضَ بِظِئْرِهِ بَرَكَةَ أُمِّ أُسَامَةَ، وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً سَوْدَاءَ، وَمِنْ ذَلِكَ إِنْكَاحُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ قُرَشِيَّةً وَأُسَامَةُ أَسْوَدَ، وَكَانَتْ تَحْتَ بِلَالٍ أُخْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ، وَقَدْ سَهَا طَاوُسٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ عِلْمِهِ وَجَلَالَتِهِ عَنْ هَذَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: وَيُشْبِهُ قَوْلُ طَاوُسٍ هَذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَنَّ السَّوْدَاءَ تُزَوَّجُ بِوِلَايَةِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَالِكًا يُجِيزُ تَزْوِيجَ الدَّنِيَّةِ بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ مُسْلِمًا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ مُجْبَرٌ. قَالُوا: وَالسَّوْدَاءُ دَنِيَّةٌ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ السَّوَادَ شَوَهٌ فِي الْخِلْقَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْدُودٌ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَالْحَقُّ أَنَّ السَّوْدَاءَ قَدْ تَكُونُ شَرِيفَةً، وَقَدْ تَكُونُ جَمِيلَةً، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: [الْوَافِرُ]
وَسَوْدَاءُ الْأَدِيمِ تُرِيكَ وَجْهًا ... تَرَى مَاءَ النَّعِيمِ جَرَى عَلَيْهِ
رَآهَا نَاظِرِي فَرَنَا إِلَيْهَا ... وَشَكْلُ الشَّيْءِ مُنْجَذِبٌ إِلَيْهِ
وَقَالَ آخَرُ: [الْوَافِرُ]
وَلِي حَبَشِيَّةٌ سَلَبَتْ فُؤَادِي ... وَنَفْسِي لَا تَتُوقُ إِلَى سِوَاهَا
كَأَنَّ شُرُوطَهَا طُرُقٌ ثَلَاثٌ ... تَسِيرُ بِهَا النُّفُوسُ إِلَى هَوَاهَا
وَقَالَ آخَرُ فِي سَوْدَاءَ: [السَّرِيعُ]
أَشْبَهَكِ الْمِسْكُ وَأَشْبَهْتِهِ ... قَائِمَةً فِي لَوْنِهِ قَاعِدَهْ
لَا شَكَّ إِذْ لَوْنُكُمَا وَاحِدٌ ... أَنَّكُمَا مِنْ طِينَةٍ وَاحِدَهْ
وَأَمْثَالُهُ فِي كَلَامِ الْأُدَبَاءِ كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ [٤ \ ١١٩] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْطِيعَ آذَانِ الْأَنْعَامِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ كَذَلِكَ. أَمَّا قَطْعُ أُذُنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ تَقَرُّبًا بِذَلِكَ لِلْأَصْنَامِ فَهُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ إِجْمَاعًا، وَأَمَّا تَقْطِيعُ آذَانِ الْبَهَائِمِ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلِذَا أَمَرَنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ، وَالْأُذُنَ، وَلَا نُضَحِّيَ بِعَوْرَاءَ، وَلَا مُقَابَلَةٍ، وَلَا مُدَابَرَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute