لِذَلِكَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا نَظِيرَ لَهُ الْبَتَّةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا تُوجَدُ فِيهِ آيَةٌ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى.
الْأَمْرُ الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ (إِنْ) شَرْطِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصِحَّ لَهُ مَعْنًى فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، إِلَّا مَعْنًى مَحْذُورٌ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ بِحَالٍ، وَكِتَابُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ حَمْلِهِ عَلَى مَعَانٍ مَحْذُورَةٍ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهَا.
وَإِيضَاحُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ (إِنْ) شَرْطِيَّةٌ، وَقَوْلَهُ: فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ جَزَاءُ الشَّرْطِ - لَا مَعْنَى لِصِدْقِهِ الْبَتَّةَ إِلَّا بِصِحَّةِ الرَّبْطِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ.
وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ مَدَارَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الشَّرْطِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ - مُنْصَبٌّ عَلَى صِحَّةِ الرَّبْطِ بَيْنَ مُقَدَّمِهَا الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ، وَتَالِيهَا الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ، وَالْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا هُوَ كَوْنُ الشَّرْطِيَّةِ الْمُتَّصِلَةِ تَكُونُ فِي غَايَةِ الصِّدْقِ مَعَ كَذِبِ طَرَفَيْهَا مَعًا، أَوْ أَحَدِهِمَا لَوْ أُزِيلَتْ أَدَاةُ الرَّبْطِ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، فَمِثَالُ كَذِبِهِمَا مَعًا مَعَ صِدْقِهَا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [٢١ \ ٢٢] فَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي غَايَةِ الصِّدْقِ كَمَا تَرَى، مَعَ أَنَّهَا لَوْ أُزِيلَتْ أَدَاةُ الرَّبْطِ بَيْنَ طَرَفَيْهَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهَا قَضِيَّةً كَاذِبَةً بِلَا شَكٍّ، وَنَعْنِي بِأَدَاةِ الرَّبْطِ لَفْظَةَ (لَوْ) مِنَ الطَّرَفِ الْأَوَّلِ، وَاللَّامَ مِنَ الطَّرَفِ الثَّانِي، فَإِنَّهُمَا لَوْ أُزِيلَا وَحُذِفَا صَارَ الطَّرَفُ الْأَوَّلُ: كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي مُنْتَهَى الْكَذِبِ، وَصَارَ الطَّرَفُ الثَّانِي فَسَدَتَا، أَيِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ فِي غَايَةِ الْكَذِبِ كَمَا تَرَى.
فَاتَّضَحَ بِهَذَا أَنَّ مَدَارَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الشَّرْطِيَّاتِ عَلَى صِحَّةِ الرَّبْطِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ.
فَإِنْ كَانَ الرَّبْطُ صَحِيحًا فَهِيَ صَادِقَةٌ، وَلَوْ كُذِّبَ طَرَفَاهَا أَوْ أَحَدُهُمَا عِنْدَ إِزَالَةِ الرَّبْطِ.
وَإِنْ كَانَ الرَّبْطُ بَيْنَهُمَا كَاذِبًا كَانَتْ كَاذِبَةً كَمَا لَوْ قُلْتَ: لَوْ كَانَ هَذَا إِنْسَانًا لَكَانَ حَجَرًا، فَكَذِبُ الرَّبْطِ بَيْنَهُمَا وَكَذِبُ الْقَضِيَّةِ بِسَبَبِهِ كِلَاهُمَا وَاضِحٌ.
وَأَمْثِلَةُ صِدْقِ الشَّرْطِيَّةِ مَعَ كَذِبِ طَرَفَيْهَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، كَالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَكَقَوْلِكَ: لَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ حَجَرًا لَكَانَ جَمَادًا، وَلَوْ كَانَ الْفَرَسُ يَاقُوتًا لَكَانَ حَجَرًا، فَكُلُّ هَذِهِ الْقَضَايَا وَنَحْوُهَا صَادِقَةٌ مَعَ كَذِبِ طَرَفَيْهَا لَوْ أُزِيلَتْ أَدَاةُ الرَّبْطِ.
وَمِثَالُ صِدْقِهَا مَعَ كَذِبِ أَحَدِهِمَا قَوْلُكَ: لَوْ كَانَ زَيْدٌ فِي السَّمَاءِ مَا نَجَا مِنَ الْمَوْتِ ;
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute