للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنَّهَا شَرْطِيَّةٌ صَادِقَةٌ لِصِدْقِ الرَّبْطِ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، مَعَ أَنَّهَا كَاذِبَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ ; لِأَنَّ عَدَمَ النَّجَاةِ مِنَ الْمَوْتِ صِدْقٌ، وَكَوْنُ زَيْدٍ فِي السَّمَاءِ كَذِبٌ، هَكَذَا مَثَّلَ بِهَذَا الْمِثَالِ الْبُنَانِيُّ، وَفِيهِ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الشَّرْطِيَّةَ الَّتِي مَثَّلَ بِهَا اتِّفَاقِيَّةٌ لَا لُزُومِيَّةٌ، وَلَا دَخْلَ لِلِاتِّفَاقِيَّاتِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ.

وَالْمِثَالُ الصَّحِيحُ: لَوْ كَانَ الْإِنْسَانُ حَجَرًا لَكَانَ جِسْمًا.

وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنَّ مَدَارَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الشَّرْطِيَّاتِ مُنْصَبٌّ عَلَى خُصُوصِ التَّالِي الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ، وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ قَيْدٌ فِي ذَلِكَ.

وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ.

وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ.

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ الْبَتَّةَ بِقَوْلٍ ثَالِثٍ فِي مَدَارِ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الشَّرْطِيَّاتِ.

فَإِذَا حَقَقْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ - عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا جُمْلَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ - لَا يَصِحُّ الرَّبْطُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا الْبَتَّةَ بِحَالٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَحْذُورٍ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِهِ بِحَالٍ.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ: أَنَّ مَصَبَّ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الشَّرْطِيَّاتِ إِنَّمَا هُوَ التَّالِي الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ، وَأَنَّ الْمُقَدَّمَ الَّذِي هُوَ الشَّرْطُ قَيْدٌ فِي ذَلِكَ - فَمَعْنَى الْآيَةِ عَلَيْهِ بَاطِلٌ، بَلْ هُوَ كُفْرٌ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ أَوَّلَ الْعَابِدِينَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا -.

لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لَمْ يَكُنْ أَوَّلَ الْعَابِدِينَ، وَفَسَادُ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ مَدَارَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الشَّرْطِيَّاتِ عَلَى صِحَّةِ الرَّبْطِ بَيْنَ طَرَفَيِ الشَّرْطِيَّةِ.

فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ جُمْلَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ - لَا يَصِحُّ الرَّبْطُ بَيْنَ طَرَفَيْهَا الْبَتَّةَ أَيْضًا، إِلَّا عَلَى وَجْهٍ مَحْذُورٍ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ بِحَالٍ; لِأَنَّ كَوْنَ الْمَعْبُودِ ذَا وَلَدٍ، وَاسْتِحْقَاقَهُ هُوَ أَوْ وَلَدُهُ الْعِبَادَةَ، لَا يَصِحُّ الرَّبْطُ بَيْنَهُمَا الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى مَعْنَى، هُوَ كُفْرٌ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْعِبَادَةِ لَا يُعْقَلُ بِحَالٍ أَنْ يَكُونَ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>