للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهِمْ مُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهَا: وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [٢٧ \ ٤٤] .

وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ عَنِ النَّمْلَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهَا: (حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [٢٧ \ ١٨] فَقَدْ أَدْرَكَتْ مَجِيءَ الْجَيْشِ، وَأَنَّهُ لِسُلَيْمَانَ وَجُنُودِهِ وَأَدْرَكَتْ كَثْرَتَهُمْ، وَأَنَّ عَلَيْهَا وَعَلَى النَّمْلِ أَنْ يَتَجَنَّبُوا الطَّرِيقَ، وَيَدْخُلُوا مَسَاكِنَهُمْ، وَهَذَا الْإِدْرَاكُ مِنْهَا جَعَلَ سُلَيْمَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَتَبَسَّمُ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا. وَأَنَّ لَهَا قَوْلًا عَلِمَهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.

فَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ إِثْبَاتُ إِدْرَاكِ الْحَيَوَانَاتِ لِلْمُغَيَّبَاتِ فَضْلًا عَنِ الْمُشَاهَدَاتِ، كَمَا فِي حَدِيثِ الْمُوَطَّأِ فِي فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ: " وَإِنَّ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ " إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا وَهِيَ تُصِيخُ بِأُذُنِهَا مِنْ فَجْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ حَتَّى طُلُوعِ الشَّمْسِ إِشْفَاقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنُّ وَالْإِنْسُ "، فَهَذَا إِدْرَاكٌ وَإِشْفَاقٌ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَإِيمَانٌ بِالْمَغِيبِ، وَهُوَ قِيَامُ السَّاعَةِ وَإِشْفَاقٌ مِنَ السَّاعَةِ أَشَدُّ مِنَ الْإِنْسَانِ.

وَقِصَّةُ الْجَمَلِ الَّذِي نَدَّ عَلَى أَهْلِهِ وَخَضَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى قَالَ الصِّدِّيقُ: لَكَأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَعَمْ إِنَّهُ مَا بَيْنَ لَابَّتَيْهَا إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ".

فَهَذَا كُلُّهُ يُثْبِتُ إِدْرَاكًا لِلْحَيَوَانِ بِالْمَحْسُوسِ، وَبِالْمَغِيبِ إِدْرَاكًا لَا يَقِلُّ عَنْ إِدْرَاكِ الْإِنْسَانِ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ إِثْبَاتِ تَسْبِيحِهَا حَقِيقَةً عَلَى مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا؟ وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ صَرِيحًا فِي التَّسْبِيحِ الْمُثْبَتِ لَهَا فِي أَنَّهُ تَسْبِيحُ تَحْمِيدٍ لَا مُطْلَقُ دَلَالَةٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ [١٣ \ ١٣] ، وَقَرَنَهُ مَعَ تَسْبِيحِ الْمَلَائِكَةِ: وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ [١٣ \ ١٣] ، وَهَذَا نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَإِثْبَاتٌ لِنَوْعِ التَّسْبِيحِ الْمَطْلُوبِ.

خَامِسًا: لَقَدْ شَهِدَ الْمُسْلِمُونَ مَنْطِقَ الْجَمَادِ بِالتَّسْبِيحِ، وَسَمِعُوهُ بِالتَّحْمِيدِ حِسًّا كَتَسْبِيحِ الْحَصَا فِي كَفِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَحَنِينِ الْجِذْعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى سَمِعَهُ كُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لَأَعْلَمُ حَجَرًا فِي مَكَّةَ مَا مَرَرْتُ عَلَيْهِ إِلَّا وَسَلَّمَ عَلَيَّ "، وَمَا ثَبَتَ بِفَرْدٍ يَثْبُتُ لِبَقِيَّةِ أَفْرَادِ جِنْسِهِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي قَاعِدَةِ الْوَاحِدِ بِالْجِنْسِ، وَالْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ.

وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي أَعْظَمِ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ: " اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّ عَلَيْكَ نَبِيًّا، وَصِدِّيقًا، وَشَهِيدَيْنِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>