[٣٣ \ ٢٥] ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَهَا: ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الْآيَةَ، وَلَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ الَّذِي رَدَّهُمْ بِهِ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [٣٣ \ ٩] اهـ.
وَهُنَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَسْنَدَ إِخْرَاجَهُمْ إِلَيْهِ تَعَالَى مَعَ حِصَارِ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ لِإِخْرَاجِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ إِخْرَاجِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَوْقِفِ الْقُوَّةِ وَرَاءَ الْحُصُونِ، لَمْ يَتَوَقَّعِ الْمُؤْمِنُونَ خُرُوجَهُمْ، وَظَنُّوا هُمْ أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ، فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَدْ كَانَ هَذَا الْإِخْرَاجُ مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِوَعْدٍ سَابِقٍ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [٢ \ ١٣٧] .
وَبِهَذَا الْإِخْرَاجِ تَحَقَّقَ كِفَايَةُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ، فَقَدْ كَفَاهُ إِيَّاهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، فَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ حَقًّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَبِوَعْدٍ مُسْبَقٍ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي خُصُوصِهِمْ: فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٥٩ \ ٦] وَتَسْلِيطُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ بِمَا بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» وَهُوَ مَا يَتَمَشَّى مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [٣٣ \ ٢٦] .
وَجُمْلَةُ هَذَا السِّيَاقِ هُنَا يَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ عَنْ بَنِي قُرَيْظَةَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [٣٣ \ ٢٦ - ٢٧] ، وَعَلَيْهِ ظَهَرَتْ حَقِيقَةُ إِسْنَادِ إِخْرَاجِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى، فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ كَمَا أَنَّهُ هُوَ تَعَالَى الَّذِي رَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، بِمَا أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيَاحِ، وَالْجُنُودِ، وَهُوَ الَّذِي كَفَى الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ، وَهُوَ تَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ صَيَاصِيهِمْ، وَوَرَّثَ الْمُؤْمِنِينَ دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا.
وَرَشَّحَ لِهَذَا كُلِّهِ التَّذْيِيلُ فِي آخِرِ الْآيَةِ، يَطْلُبُ الِاعْتِبَارَ وَالِاتِّعَاظَ بِمَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute