يُؤْتَى الْحَذِرُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، أَخَذَهُمْ وَدَهَاهُمْ وَبَاغَتَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا مِنْ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحِصَارِهِمْ، وَقَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ.
وَهُنَاكَ مَوْقِفٌ آخَرُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٢ \ ١٠٩] . فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ فِي سِيَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ بِذَاتِهِمِ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ فَيَكُونُ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ هُنَا هُوَ إِتْيَانُ أَمْرِهِ تَعَالَى الْمَوْعُودِ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنَ السِّيَاقِ، وَقَالَ: وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: بِأَمْرِهِ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ وَاحِدُ الْأَوَامِرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ وَاحِدُ الْأُمُورِ.
فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ الْأَمْرُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ النَّهْيِ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمَذْكُورَ، هُوَ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ: قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [٩ \ ٢٩] .
وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَاحِدَ الْأُمُورِ، فَهُوَ مَا صَرَّحَ اللَّهُ بِهِ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا أَوْقَعَ بِالْيَهُودِ مِنَ الْقَتْلِ، وَالتَّشْرِيدِ كَقَوْلِهِ: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ الْآيَةَ [٥٩ \ ٢ - ٣] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَالْآيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ عَلَى التَّحْقِيقِ. اهـ[مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنَ الْأَضْوَاءِ] .
فَقَدْ نَصَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ آيَةَ: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ مُرْتَبِطَةٌ بِآيَةِ: فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، هَذِهِ كَمَا قَدَّمْنَا: أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَمْرُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَقَدْ أَتَاهُمْ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا، وَيَشْهَدُ لِهَذَا كُلِّهِ الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ (فَآتَاهُمْ) بِالْمَدِّ بِمَعْنَى: أَعْطَاهُمْ وَأَنْزَلَ بِهِمْ، وَيَكُونُ الْفِعْلُ مُتَعَدِّيًا وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute