اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، انْتَهَى.
وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ كَذَلِكَ حَقِيقَةَ وَمُنْتَهَى مَا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: «مَا تَرَكْتُ خَيْرًا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللَّهِ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا تَرَكْتُ شَرًّا يُبَاعِدُكُمْ عَنِ اللَّهِ إِلَّا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ، وَحَذَّرْتُكُمْ مِنْهُ وَنَهَيْتُكُمْ عَنْهُ» .
تَنْبِيهٌ
الْوَاقِعُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ نُطْقِ الْمُسْلِمِ بِالشَّهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اعْتِرَافٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْأُلُوهِيَّةِ وَبِمُسْتَلْزَمَاتِهَا، وَمِنْهَا إِرْسَالُ الرُّسُلِ إِلَى خَلْقِهِ، وَإِنْزَالُ كُتُبِهِ وَقَوْلَهُ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، اعْتِرَافٌ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ اللَّهِ لِخَلْقِهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخْذَ بِكُلِّ مَا جَاءَ بِهِ هَذَا الرَّسُولُ الْكَرِيمُ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ إِلَّا بِمَا جَاءَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ، وَلَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ بِمَا نَهَاهُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَهِيَ بِحَقٍّ مُسْتَلْزِمٌ لِلنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [٤ \ ٥٩] فَرَبَطَ مَرَدَّ الْخِلَافِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي «سُورَةُ النِّسَاءِ» : أَمَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَازَعَ فِيهِ النَّاسُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ، أَنْ يُرَدَّ التَّنَازُعُ فِي ذَلِكَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [٤ \ ٨٠] انْتَهَى.
فَاتَّضَحَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَا أَتَانَا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ فِي التَّشْرِيعِ، وَأَنَّ السُّنَّةَ تَسْتَقِلُّ بِالتَّشْرِيعِ كَمَا جَاءَتْ بِتَحْرِيمِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَنَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَبِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوْ هِيَ مَعَ ابْنَةِ أَخِيهَا أَوِ ابْنَةِ أُخْتِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَةِ أَهْلِهِ يَقُولُ: مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَخَذْنَاهُ، وَمَا لَمْ نَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَرَكْنَاهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» .
وَالنَّصُّ هُنَا عَامٌّ فِي الْأَخْذِ بِكُلِّ مَا أَتَانَا بِهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَانَا عَنْهُ، وَقَدْ جَاءَ تَخْصِيصُ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute