للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثَالِثُهَا: الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنُ، وَلَكِنَّ هَذَا فِيمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ، إِذِ الْقُرَبُ لَا تُوصَفُ بِالْإِبَاحَةِ.

رَابِعُهَا: التَّوَقُّفُ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمُرَادِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَهَذَا أَضْعَفُ الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ لَيْسَ فِيهِ تَأَسٍّ.

فَتَحْصُلُ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّ الصَّحِيحَ الْفِعْلُ تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا، وَمَثَّلُوا لِهَذَا الْفِعْلِ بِخَلْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعْلَهُ فِي الصَّلَاةِ، فَخَلَعَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَهُمْ عَنْ خَلْعِهِمْ نِعَالِهِمْ قَالُوا: رَأَيْنَاكَ فَعَلْتَ فَفَعَلْنَا، فَقَالَ لَهُمْ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِي نَعْلِي أَذًى فَخَلَعْتُهَا» ، فَإِنَّهُ أَقَرَّهُمْ عَلَى خَلْعِهِمْ تَأَسِّيًا بِهِ، وَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا الْحُكْمَ قَبْلَ إِخْبَارِهِ إِيَّاهُمْ، وَقَدْ جَاءَ هُنَا مَا تَقُولُونَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ.

وَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي دَفْعِ الْإِيهَامِ فِي سُورَةِ «الْأَنْفَالِ» عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [٨ \ ٢٤] ، مَا نَصُّهُ: وَهَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِجَابَةَ لِلرَّسُولِ الَّتِي هِيَ طَاعَتُهُ لَا تَجِبُ إِلَّا إِذَا دَعَانَا لِمَا يُحْيِينَا، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ.

وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، كَقَوْلِهِ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [٥٩ \ ٧] .

وَقَوْلِهِ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ الْآيَةَ [٣ \ ٣١] ، وَمَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [٤ \ ٨٠] .

وَالظَّاهِرُ: أَنَّ وَجْهَ الْجَمْعِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أَنَّ آيَاتِ الْإِطْلَاقِ مُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْعُونَا إِلَّا لِمَا يُحْيِينَا مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَالشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ: إِذَا دَعَاكُمْ، مُتَوَفِّرٌ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [٥٣ \ ٣ - ٤] .

وَالْحَاصِلُ: أَنَّ آيَةَ: إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، مُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ لَا طَاعَةَ إِلَّا لِمَنْ يَدْعُو إِلَى مَا يُرْضِي اللَّهَ، وَأَنَّ الْآيَاتِ الْأُخَرَ بَيَّنَتْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَدْعُو أَبَدًا إِلَّا إِلَى ذَلِكَ، صَلَوَاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>