للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ غَيْرِ لَمْحِ الْوَصْفِ. . .

ثَانِيًا: مَا كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْجِبِلَّةِ وَالتَّشْرِيعِ كَوُقُوفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ رَاكِبًا عَلَى نَاقَتِهِ، وَنُزُولِهِ بِالْمُحْصِبِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ مِنًى، فَالْوُقُوفُ الَّذِي هُوَ رُكْنُ الْحَجِّ يَتِمُّ بِالتَّوَاجُدِ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ عَلَى أَيَّةِ حَالَةٍ، فَهَلْ كَانَ وُقُوفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاكِبًا مِنْ تَمَامِ نُسُكِهِ، أَمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهُ دُونَ قَصْدٍ إِلَى النُّسُكِ؟ خِلَافٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَا يَبْعُدُ مَنْ يَقُولُ: قَدْ يَكُونُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا؛ لِيَكُونَ أَبْرَزَ لِشَخْصِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْجَمْعِ، تَسْهِيلًا عَلَى مَنْ أَرَادَهُ لِسُؤَالٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ حَاجَةٍ، فَيَكُونُ تَشْرِيعًا لِمَنْ يَكُونُ فِي مَنْزِلَتِهِ فِي الْمَسْئُولِيَّةِ.

ثَالِثًا: مَا ثَبَتَتْ خُصُوصِيَّتُهُ بِهِ مِثْلُ جَوَازِ جَمْعِهِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِالنِّكَاحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [٣٣ \ ٥٠] ، وَكُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَنِكَاحِ الْوَاهِبَةِ نَفْسَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [٣٣ \ ٥٠] فَهَذَا لَا شَرِكَةَ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ.

رَابِعًا: مَا كَانَ بَيَانًا لِنَصٍّ قُرْآنِي، كَقَطْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَ السَّارِقِ مِنَ الْكُوعِ بَيَانًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [٥ \ ٣٨] ، وَكَأَعْمَالِ الْحَجِّ وَالصَّلَاةِ، فَهُمَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ [٢ \ ٤٣] ، وَقَوْلِهِ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [٣ \ ٩٧] ، وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ، وَقَالَ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» ، فَهَذَا الْقِسْمُ حُكْمُهُ لِلْأُمَّةِ، حُكْمُ الْمُبَيَّنُ بِالْفَتْحِ، فَفِي الْوُجُوبِ وَاجِبٌ، وَفِي غَيْرِهِ بِحَسْبِهِ.

خَامِسًا: مَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا لِجِبِلَّةٍ وَلَا لِبَيَانٍ، وَلَمْ تَثْبُتْ خُصُوصِيَّتُهُ لَهُ، فَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وُجُوبٍ، أَوْ نَدْبٍ، أَوْ إِبَاحَةٍ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ لِلْأُمَّةِ كَذَلِكَ كَصَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْكَعْبَةِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَائِزَةٌ، فَهِيَ لِلْأُمَّةِ عَلَى الْجَوَازِ. ثَانِيهُمَا: أَلَّا يُعْلَمَ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي هَذَا الْقِسْمِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

أَوَّلُهَا: الْوُجُوبُ عَمَلًا بِالْأَحْوَطِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.

ثَانِيهَا: النَّدْبُ لِرُجْحَانِ الْفِعْلِ عَلَى التَّرْكِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>