للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

لَا تَمْدَحَنَّ ابْنَ عِبَادٍ وَإِنْ هَطَلَتْ ... يَدَاهُ كَالْمُزْنِ حَتَّى تَخْجَلَ الدِّيَمَا

فَإِنَّهَا خَطَرَاتٌ مِنْ وَسَاوِسِهِ ... يُعْطِي وَيَمْنَعُ لَا بُخْلًا وَلَا كَرَمًا

وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى أَنَّ الْإِنْفَاقَ الْمَحْمُودَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَصْرِفُهُ الَّذِي صُرِفَ فِيهِ مِمَّا يُرْضِي اللَّهَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ١ الْآيَةَ [٢ \ ٢١٥] ، وَصَرَّحَ فِي أَنَّ الْإِنْفَاقَ فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ حَسْرَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ فِي قَوْلِهِ: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً الْآيَةَ [٨ \ ٣٦] .

وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ:

إِنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ صَنِيعَةً ... حَتَّى يُصَابَ بِهَا طَرِيقُ الْمَصْنَعِ

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا الَّذِي قَرَّرْتُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْإِنْفَاقَ الْمَحْمُودَ هُوَ إِنْفَاقُ مَا زَادَ عَنِ الْحَاجَةِ الضَّرُورِيَّةِ، مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْنَى عَلَى قَوْمٍ بِالْإِنْفَاقِ وَهُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى مَا أَنْفَقُوا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٥٩ \ ٩] .

فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: هُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالًا، فَفِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ الْإِيثَارُ مَمْنُوعًا، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا كَانَتْ عَلَى الْمُنْفِقِ نَفَقَاتٌ وَاجِبَةٌ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَنَحْوِهَا فَتَبَرَّعَ بِالْإِنْفَاقِ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ، وَتَرَكَ الْفَرْضَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» ، وَكَأَنْ يَكُونَ لَا صَبْرَ عِنْدَهُ عَنْ سُؤَالِ النَّاسِ فَيُنْفِقُ مَالَهُ، وَيَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ يَسْأَلُهُمْ مَالَهُمْ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ وَالْإِيثَارُ فِيمَا إِذَا كَانَ لَمْ يُضَيِّعْ نَفَقَةً وَاجِبَةً، وَكَانَ وَاثِقًا مِنْ نَفْسِهِ بِالصَّبْرِ، وَالتَّعَفُّفِ، وَعَدَمِ السُّؤَالِ.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ يَعْنِي بِهِ الزَّكَاةَ، فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى مِنْهُ.

وَالْوَاقِعُ أَنَّ لِلْإِنْفَاقِ فِي الْقُرْآنِ مَرَاتِبَ ثَلَاثَةً:

الْأُولَى: الْإِنْفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمَالِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>