فَإِذَا امْتَلَكَ رَجُلٌ امْرَأَةً حَلَّ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا امْتَلَكَتْ عَبْدًا لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ مِنْهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلِقَوَامَةِ الرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَعَلَى أَوْلَادِهَا وَهُوَ كَافِرٌ لَا يَسْلَمُ لَهَا دِينُهَا، وَلَا لِأَوْلَادِهَا.
وَالْجَانِبُ الثَّانِي: شُمُولُ الْإِسْلَامِ وَقُصُورُ غَيْرِهِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَمْرٌ اجْتِمَاعِيٌّ لَهُ مَسَاسٌ بِكِيَانِ الْأُسْرَةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، فَهُوَ يُؤْمِنُ بِكِتَابِهَا وَبِرَسُولِهَا، فَسَيَكُونُ مَعَهَا عَلَى مَبْدَأِ مَنْ يَحْتَرِمُ دِينَهَا لِإِيمَانِهِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ، فَسَيَكُونُ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلتَّفَاهُمِ، وَقَدْ يَحْصُلُ التَّوَصُّلُ إِلَى إِسْلَامِهَا بِمُوجِبِ كِتَابِهَا، أَمَّا الْكِتَابِيُّ إِذَا تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً، فَهُوَ لَا يُؤْمِنُ بِدِينِهَا، فَلَا تَجِدُ مِنْهُ احْتِرَامًا لِمَبْدَئِهَا وَدِينِهَا، وَلَا مَجَالَ لِلْمُفَاهَمَةِ مَعَهُ فِي أَمْرٍ لَا يُؤْمِنُ بِهِ كُلِّيَّةً، وَبِالتَّالِي فَلَا مَجَالَ لِلتَّفَاهُمِ وَلَا لِلْوِئَامِ، وَإِذًا فَلَا جَدْوَى مِنْ هَذَا الزَّوَاجِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَمَنَعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، يَعْنِي صَدَاقَهُنَّ.
وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ النِّكَاحَ بِدُونِ الْأُجُورِ فِيهِ جُنَاحٌ، وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [٣٣ \ ٥٠] ، فَهِبَةُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا بِدُونِ صَدَاقٍ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يُحِلُّهُ لِغَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، ظَاهِرٌ فِي أَنَّ النِّكَاحَ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِتْيَانِ الْأُجُورِ.
وَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ بِدُونِ إِتْيَانِ الصَّدَاقِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ الْآيَةَ [٢ \ ٢٣٦] .
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ الْمُفَوَّضَةِ، أَنَّهُ إِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهُ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَيَدُلُّ لِإِطْلَاقِ الْأُجُورِ عَلَى الصَّدَاقِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي نِكَاحِ الْإِمَاءِ لِمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْلًا لِلْحَرَائِرِ: فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، إِلَى قَوْلِهِ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [٤ \ ٢٥] وَفِي نِكَاحِ أَهْلِ الْكِتَابِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ الْآيَةَ [٥ \ ٥] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute