وَتَزَوَّجَتْ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنْ شَاءَتِ انْتَظَرَتْ. اهـ.
وَهَذَا الْقَوْلُ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّهُ بِإِسْلَامِهَا لَمْ يَكُنْ كُفْأً لَهَا وَإِذَا انْتَفَتِ الْكَفَاءَةُ أُعْطِيَتِ الزَّوْجَةُ الْخِيَارَ، كَقِصَّةِ بَرِيرَةَ لَمَّا عُتِقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا مَمْلُوكًا، وَلَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَالَةِ كُفْرِ الزَّوْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ إِذَا جَاءَتْ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ أَنَّ عَلَيْهَا رَدَّ مَا أَنْفَقَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا، وَكَوْنُهُ الصَّدَاقَ أَوْ أَكْثَرَ قَدْ بَحَثَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - فِي مَبْحَثِ الْخُلْعِ فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ، أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِفَكِّ عِصْمَةِ زَوْجَاتِهِمِ الْكَوَافِرِ، فَطَلَّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَوْمَئِذٍ زَوْجَتَيْنِ، وَطَلَّقَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ زَوْجَتَهُ أَرْوَى بِنْتَ رَبِيعَةَ، وَعِصَمُ الْكَوَافِرِ عَامٌّ فِي كُلِّ كَافِرَةٍ، فَيَشْمَلُ الْكِتَابِيَّاتِ لِكُفْرِهِنَّ بِاعْتِقَادِ الْوَلَدِ لِلَّهِ، كَمَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - وَلَكِنَّ هَذَا الْعُمُومَ قَدْ خُصِّصَ بِإِبَاحَةِ الْكِتَابِيَّاتِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [٥ \ ٥] أَيْ: الْحَرَائِرُ، وَبَقِيَتِ الْحُرْمَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكَةِ بِالْعَقْدِ عَلَى التَّأْبِيدِ.
وَمَفْهُومُ الْعِصْمَةِ لَا يَمْنَعُ الْإِمْسَاكَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَيَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُشْرِكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ حُرْمَةُ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكَافِرِ مُطْلَقًا مُشْرِكًا كَانَ أَوْ كِتَابِيًّا عَلَى التَّأْبِيدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ، أَيْ: فِي الْحَاضِرِ، وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، أَيْ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ فَصَّلَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - مَسْأَلَةَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّكَاحِ فِيمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْآيَةَ [٤ \ ٢٥] .
تَنْبِيهٌ
هُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ: إِذَا كَانَ الْكُفْرُ هُوَ سَبَبَ فَكِّ عِصْمَةِ الْكَافِرَةِ مِنَ الْمُسْلِمِ، وَتَحْرِيمِ الْمُسْلِمَةِ عَلَى الْكَافِرِ فَلِمَاذَا حَلَّتِ الْكَافِرَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِلْمُسْلِمِ، وَلَمْ تَحِلَّ الْمُسْلِمَةُ لِلْكَافِرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؟ وَالْجَوَابُ مِنْ جَانِبَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَالْقَوَامَةُ فِي الزَّوَاجِ لِلزَّوْجِ قَطْعًا لِجَانِبِ الرُّجُولَةِ، وَإِنْ تَعَادَلَا فِي الْحِلِّيَةِ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ التَّعَادُلَ لَا يُلْغِي الْفَوَارِقَ كَمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute