بَدَنَةً» إِلَى آخِرِهِ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ مُنَاقَشَةِ وَقْتِ السَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ.
قَالَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَكَانَتِ الطُّرُقَاتُ فِي أَيَّامِ السَّلَفِ وَقْتَ السَّحَرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ غَاصَّةً بِالْمُبَكِّرِينَ إِلَى الْجُمُعَةِ يَمْشُونَ بِالسُّرُجِ. وَقِيلَ: أَوَّلُ بِدْعَةٍ أُحْدِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ تَرْكُ الْبُكُورِ إِلَى الْجُمُعَةِ، إِذِ الْبُكُورُ إِلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الْعِنَايَةِ بِهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: (فَاسْعَوْا) ، وَقَرَأَهَا عُمَرُ: (فَامْضُوا) ، رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ أُبَيًّا يَقْرَؤُهَا (فَاسْعَوْا) ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ أَقْرَؤُنَا وَأَعْلَمُنَا بِالْمَنْسُوخِ، وَإِنَّمَا هِيَ (فَامْضُوا) .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ سَالِمٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا سَمِعْتُ عُمَرَ قَطُّ يَقْرَؤُهَا إِلَّا فَامْضُوا.
وَبَوَّبَ لَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ بَابُ قَوْلِهِ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [٦٢ \ ٣] ، وَقَرَأَ عُمَرُ: فَامْضُوا، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَقَالَ: لَوْ كَانَتْ (فَاسْعَوْا) لَسَعَيْتُ حَتَّى يَسْقُطَ رِدَائِي. اهـ.
وَبِالنَّظَرِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ نَجِدُ الصَّحِيحَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ لِأَمْرَيْنِ، الْأَوَّلِ: لِشَهَادَةِ عُمَرَ نَفْسِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أُبَيًّا أَقْرَؤُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْمَنْسُوخِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ وَأَقْرَؤُهُمْ. أَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ سَنَدَهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ ; لِأَنَّهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعْ مِنِ ابْنِ مَسْعُودٍ شَيْئًا. اهـ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى السَّعْيِ هُنَا، وَحَاصِلُ أَقْوَالِ الْمُفَسِّرِينَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ لَا يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا:
الْأَوَّلُ: الْعَمَلُ لَهَا، وَالتَّهَيُّؤُ مِنْ أَجْلِهَا.
الثَّانِي: الْقَصْدُ وَالنِّيَّةُ عَلَى إِتْيَانِهَا.
الثَّالِثُ: السَّعْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ دُونَ الرُّكُوبِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْعَمَلِ، قَالَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ. وَقَالَ: هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، قَالَ تَعَالَى: وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ [٢ \ ٢٠٥] ، وَقَالَ: