إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى [٩٢ \ ٤] ، أَيِ الْعَمَلَ.
وَاسْتَدَلُّوا لِلثَّانِي بِقَوْلِ الْحَسَنِ: وَاللَّهِ مَا هُوَ بِسَعْيٍ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَلَكِنْ سَعْيُ الْقُلُوبِ وَالنِّيَّةِ.
وَاسْتَدَلُّوا لِلثَّالِثِ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَكَانَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مَشَى إِلَى الْجُمُعَةِ رَاجِلًا، وَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» . ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ.
وَبِالتَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ نَجِدُهَا مُتَلَازِمَةً لِأَنَّ الْعَمَلَ أَعَمُّ مِنَ السَّعْيِ، وَالسَّعْيَ أَخَصُّ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ أَعَمَّ وَأَخَصَّ، وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الْعَمَلِ، وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الصَّحِيحَةِ: (فَامْضُوا) ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ التَّفْسِيرِ لِلسَّعْيِ.
وَرُوِيَ عَنِ الْفَرَّاءِ: أَنَّ الْمُضِيَّ وَالسَّعْيَ وَالذَّهَابَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ السَّعْيَ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى زَائِدًا وَهُوَ الْجِدُّ وَالْحِرْصُ عَلَى التَّحْصِيلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ [٢٢ \ ٥١] ، بِأَنَّهُمْ حَرِيصُونَ عَلَى ذَلِكَ: وَهُوَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالَاتِ الْقُرْآنِ.
قَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ: السَّعْيُ الْمَشْيُ السَّرِيعُ، وَهُوَ دُونَ الْعَدْوِ، وَيُسْتَعْمَلُ لِلْجِدِّ فِي الْأَمْرِ خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، قَالَ تَعَالَى: وَسَعَى فِي خَرَابِهَا [٢ \ ١١٤] . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ [٢ \ ٢٠٥] ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا [١٧ \ ١٩] ، وَجَمَعَ الْأَمْرَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى [٥٣ \ ٣٩ - ٤٠] ، وَهُوَ مَا تَشْهَدُ لَهُ اللُّغَةُ، كَمَا فِي قَوْلِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى:
سَعَى سَاعِيًا غَيْظَ ابْنِ مُرَّةَ بَعْدَمَا ... تَبَزَّلَ مَا بَيْنَ الْعَشِيرَةِ بِالدَّمِ
وَكَقَوْلِ الْآخَرِ:
إِنْ أَجْزِ عَلْقَمَةَ بْنَ سَعْدٍ سَعْيَهُ ... لَا أَجْزِهِ بِبَلَاءِ يَوْمٍ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute