للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ، لِحَمْلِ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَى خُصُوصِ الْخُطْبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ.

فَسَمَّى الصَّلَاةَ فِي الْأَوَّلِ بِالنِّدَاءِ إِلَيْهَا، وَسَمَّى الصَّلَاةَ أَخِيرًا بِانْقِضَائِهَا، وَذِكْرُ اللَّهِ جَاءَ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ يَرُدُّهُ اسْتِدْلَالُ الْجُمْهُورِ الْآتِي.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَابْنُ حَزْمٍ اسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ «فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» .

وَالْجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ فَقَطْ، فَإِتْمَامُهَا بِتَمَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَاعْتَبَرُوا إِدْرَاكَ أَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا إِدْرَاكًا لَهَا، وَقَدْ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ صَاحِبُهُ مُحَمَّدٌ لِأَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ الْآتِيَةِ:

وَأَدِلَّةُ الْجُمْهُورِ مِنْ جَانِبَيْنِ:

الْأَوَّلُ: خَاصٌّ بِالْجُمُعَةِ، وَهُوَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى» أَيْ فَتَتِمُّ لَهُ جُمُعَةٌ بِرَكْعَتَيْنِ، وَأَخَذُوا مِنْ مَفْهُومِ إِدْرَاكِ رَكْعَةٍ، أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً كَامِلَةً فَلَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يُضِيفَ لَهَا أُخْرَى، وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ ظُهْرًا.

وَالْجَانِبِ الثَّانِي: عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، وَهُوَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» .

وَقَدْ رَدَّ الْأَحْنَافُ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ، وَاعْتَبَرُوا الْإِدْرَاكَ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي، يَحْصُلُ بِأَيِّ جُزْءٍ.

وَرَدَّ عَلَيْهِمُ الْجُمْهُورُ بَالْآتِي:

أَوَّلًا: الْحَدِيثُ الْخَاصُّ بِمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ.

وَقَالَ: رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ، لَكِنْ قَوَّى أَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ، وَقَالَ الصَّنْعَانِيُّ فِي الشَّرْحِ: وَقَدْ أُخْرِجَ الْحَدِيثُ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ طَرِيقًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي جَمِيعِهَا مَقَالٌ إِلَى أَنْ قَالَ: وَلَكِنَّ كَثْرَةَ طُرُقِهِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، مَعَ أَنَّهُ خَرَّجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>