الْوَازِعِ وَكَثْرَةِ الشَّاغِلِ فِي هَذِهِ الْآوِنَةِ، مِمَّا يَسْتَوْجِبُ إِيرَادَهُ وَبَيَانَ رَدِّهِ مِنْ أَقْوَالِ أَصْحَابِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا.
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ حِكَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شُهُودَهَا سُنَّةٌ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهَا الْخِلَافُ هَلْ هِيَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ أَوْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ؟
وَعِنْدَ الْأَحْنَافِ قَالَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: وَقَدْ نُسِبَ إِلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ.
وَكُلُّهَا أَقْوَالٌ مَرْدُودَةٌ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ أَصْحَابِهِمْ وَأَئِمَّةِ مَذَاهِبِهِمْ، فَلَزِمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا، وَبَيَانُ الْحَقِّ فِيهَا مِنْ كُتُبِهِمْ، وَمِنْ كَلَامِ أَصْحَابِهِمْ، وَإِلَيْكَ بَيَانُ ذَلِكَ:
أَمَّا مَا نُسِبَ لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ وَرَدَّهُ بِقَوْلِهِ: وَحَكَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ شُهُودَهَا سُنَّةٌ، وَرَدَّ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِتَأْوِيلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَالِكًا يُطْلِقُ السُّنَّةَ عَلَى الْفَرْضِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ سُنَّةً عَلَى صِفَتِهَا لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ، حَسَبَ مَا شَرَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفَعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: عَزِيمَةُ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ. اهـ. نَقْلًا مِنْ نَيْلِ الْأَوْطَارِ.
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ قَوْلَ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِي تَحَرُّزِهِمْ فِي الْفُتْيَا مِنْ قَوْلِ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَوَاجِبٍ. . . إِلَخْ، فِي سِيَاقِ مَا وَقَعَ مِنْ خِلَافٍ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّعَصُّبِ، وَأَنَّ مَالِكًا أَشَدُّ تَحَفُّظًا فِي ذَلِكَ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الثَّانِيَ أَيْضًا رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا نَصُّهُ مَا قَوْلُ مَالِكٍ: إِذَا اجْتَمَعَ الْأَضْحَى وَالْجُمُعَةُ أَوِ الْفِطْرُ فَصَلَّى رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَرَادَ أَلَّا يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ هَلْ يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ شُهُودُ صَلَاةِ الْعِيدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ لَا، كَانَ مَالِكٌ يَقُولُ: لَا يَضَعُ ذَلِكَ عَنْهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي إِلَّا عُثْمَانُ، وَلَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يَرَى الَّذِي فَعَلَ عُثْمَانُ، وَكَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا يَضَعُهَا عَنْهُ إِذْنُ الْإِمَامِ، وَإِنْ شَهِدَ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ عِيدًا. اهـ مِنَ الْمُدَوَّنَةِ، فَهَذِهِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ لَا يَضَعُهَا عَمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إِذْنُ الْإِمَامِ بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنْ فِقْهِ مَسْأَلَةِ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ، فَإِنَّ فِيهَا خِلَافًا مَشْهُورًا، وَلَكِنْ يُهِمُّنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute