الْكَلَامُ عَلَى سَنَدِهِ وَتَقْوِيَةِ طُرُقِهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ.
وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى مَعْنَى الْإِدْرَاكِ وَهُوَ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَهِيَ نُقْطَةٌ هَامَّةٌ لَا يَنْبَغِي إِغْفَالُهَا، وَأَنَّ مَفْهُومَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى، أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً كَامِلَةً لَا يَتَأَتَّى لَهُ أَنْ يُضِيفَ إِلَيْهَا أُخْرَى، بَلْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا.
ثَانِيًا: ضَعْفُ اسْتِدْلَالِ الْمُعَارِضِ ; لِأَنَّ: «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا» عَلَى مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً خَاصٌّ بِهَا.
ثُمَّ إِنَّ مَعْنَى الْإِدْرَاكِ لَيْسَ كَمَا ذَهَبَ الْمُسْتَدِلُّ إِلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ إِدْرَاكًا لِمَا يُعْتَدُّ بِهِ.
وَأَشَرْنَا إِلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً كَامِلَةً لَا يَعْتَدُّ بِهَا فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ حَيْثُ رَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ ; لِيُدْرِكَ الرَّكْعَةَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسَهُ، وَلَوْ كَانَ إِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ يَتِمُّ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا لَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرَةَ هَذِهِ الصُّورَةَ، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ اعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ لِإِدْرَاكِهِ الرُّكُوعَ مِنْهَا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِمَنِ اشْتَرَطَ إِدْرَاكَ شَيْءٍ مِنَ الْخُطْبَةِ ; لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَقَدْ فَاتَتْهُ الْخُطْبَةُ كُلُّهَا، وَفَاتَتْهُ الْأُولَى مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ بِإِدْرَاكِ الثَّانِيَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
حُكْمُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ.
فِيهِ الْأَمْرُ بِالسَّعْيِ إِذَا نُودِيَ إِلَيْهَا، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَا لَمْ يُوجَدْ لَهُ صَارِفٌ، وَلَا صَارِفَ لَهُ هُنَا، فَكَانَ يَكْفِي حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِهَا، كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَنَقَلَهُ الشَّوْكَانِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَلَكِنْ وُجِدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّ فِي الْآيَةِ صَارِفًا لِلْأَمْرِ عَنِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي آخِرِ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ فَقَالُوا: إِنَّ الْأَمْرَ لِتَحْصِيلِ الْخَيْرِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَتْبَاعِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَا يُوهِمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، وَهُوَ مُسَطَّرٌ فِي كُتُبِهِمْ، مِمَّا قَدْ يَغْتَرُّ بِهِ بَعْضُ الْبُسَطَاءِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute