للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى رُجْحَانِ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ: أَنَّ فِي حَدِيثِ الْغَنَمَ جَاءَ الْمُطْلَقُ فِي بَيَانِ الْعَدَدِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، فَهُوَ لِبَيَانِ النِّصَابِ أَكْثَرُ مِنْهُ لِبَيَانِ الْوَصْفِ.

وَحَدِيثُ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» : لِبَيَانِ مَحَلِّ الْوُجُوبِ أَكْثَرُ مِنْهُ لِبَيَانِ الْعَدَدِ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى يُعْتَبَرُ الْحَدِيثَانِ مُتَرَابِطَيْنِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ، خَاصٌّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَحَدِيثُ: «فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ» عَامٌّ فِي الْغَنَمِ بِدُونِ عَدَدٍ، خَاصٌّ فِي السَّائِمَةِ.

وَحَدِيثُ: «فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ» . عَامٌّ فِي الشِّيَاهِ، خَاصٌّ بِالْأَرْبَعِينَ. فَيُخَصَّصُ عُمُومُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِخُصُوصِ الْآخَرِ، فَيُقَالُ: فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، وَيُقَالُ: فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إِذَا كَانَتْ سَائِمَةً، وَبِهَذَا تَلْتَئِمُ الْأَدِلَّةُ فِي الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ ; لِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ وَتَحْدِيدِ الْعَدَدِ.

أَمَّا الْبَقَرُ: فَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى اعْتِبَارِ السَّوْمِ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الْجُمْهُورِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّوْمَ وَالنَّسْلَ لِلنَّمَاءِ، فَيَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، أَمَّا الْمَعْلُوفَةُ وَالْعَوَامِلُ فَلَيْسَتْ تَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ. وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ فِي اشْتِرَاطِ السَّوْمِ وَالنَّسْلِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

مَا جَاءَ فِي الْخُلْطَةِ، وَهِيَ اخْتِلَاطُ الْمَالَيْنِ مَعًا لِرَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَوَّلًا: خُلْطَةُ أَعْيَانٍ.

ثَانِيًا: خُلْطَةُ أَوْصَافٍ.

فَخُلْطَةُ الْأَعْيَانِ: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْخُلَطَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْمَشَاعِ، كَمَنْ وَرِثُوا غَنَمًا أَوْ بَقَرًا مَثَلًا وَلَمْ يَقْتَسِمُوهُ، أَوْ أُهْدِيَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَقْتَسِمُوهُ. وَهَذِهِ الْخُلْطَةُ يَكُونُ حُكْمُ الْمَالِ فِيهَا كَحُكْمِهِ لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ خَلْطَةُ الْأَوْصَافِ، فَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُتَمَيِّزًا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ يَعْرِفُ حِصَّتَهُ وَمَالَهُ بِعَدَدٍ وَأَوْصَافٍ، سَوَاءٌ بِأَلْوَانِهَا أَوْ بِوَسْمِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُمْ خَلَطُوا الْمَالَ لِيَسْهُلَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ، كَاخْتِلَاطِهِمْ فِي الرَّاعِي وَالْمَرْعَى، وَالْمَسْرَحِ وَالْمَرَاحِ، وَالْفَحْلِ وَالدَّلْوِ وَالْمَحْلَبِ.

وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ ; لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالِاكْتِفَاءِ بِوَاحِدٍ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ لِجَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ فُرِّقَ لَاحْتَاجَ كُلُّ مَالٍ مِنْهُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَهَذِهِ الْخُلْطَةُ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ: مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -، وَلَا تَأْثِيرَ لَهَا عِنْدَ أَبِي

<<  <  ج: ص:  >  >>