وَلَكِنْ فِي عِبَارَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ إِطْلَاقُ الْوُجُوبِ أَنَّهُ قَالَ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ: أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ. إلخ.
وَمِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - نُصُوصُ السُّنَّةِ، مِنْهَا قَوْلُهُمْ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. الْحَدِيثَ.
فَلَفْظَةُ فَرَضَ: أَخَذَ مِنْهَا مَنْ قَالَ بِالْفَرْضِيَّةِ، وَأَخَذَ مِنْهَا الْآخَرُونَ، بِمَعْنَى قَدَّرَ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ: الْقَدْرُ وَالْقَطْعُ.
وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ» .
فَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وَالْفَرْضِ. قَالَ: الْأَمْرُ لِلْأَوَّلِ لِلْوُجُوبِ، وَفَرْضِيَّةُ زَكَاةِ الْمَالِ شَمَلَتْهَا بِعُمُومِهَا. فَلَمْ يُحْتَجْ مَعَهَا لِتَجْدِيدِ أَمْرٍ وَلَمْ تُنْسَخْ فَنَهَى عَنْهَا، وَبَقِيَتْ عَلَى الْوُجُوبِ الْأَوَّلِ، وَحَدِيثُ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ» . فَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِفَرْضِيَّتِهَا قَالَ: إِنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، فَهِيَ لِعِلَّةٍ مَرْبُوطَةٍ بِهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا، وَلَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَمَا فَاتَتْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ. وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحَثِّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِأَدَائِهَا، وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا وَأَنْ تَكُونَ طُهْرَةً.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [٩ \ ١٠٣] ، فَهِيَ فَرِيضَةٌ وَهِيَ طُهْرَةٌ. وَالرَّاجِحُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهَا فَرْضٌ ; لِلَفْظِ الْحَدِيثِ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ; لِأَنَّ لَفْظَ فَرَضَ إِنْ كَانَ ابْتِدَاءً فَهُوَ لِلْوُجُوبِ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى قَدَّرَ، فَيَكُونُ الْوُجُوبُ بِعُمُومِ آيَاتِ الزَّكَاةِ، وَهُوَ أَقْوَى.
وَحَدِيثُ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» الْحَدِيثَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ، وَلَا صَارِفَ لَهُ هُنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute