وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ الْقَوْلَ بِالْوُجُوبِ هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي تَبْرَأُ بِهِ الذِّمَّةُ، وَيَخْرُجُ بِهِ الْعَبْدُ مِنَ الْعُهْدَةِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
أَمَّا مِمَّ تَكُونُ: فَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَثَرُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ.
قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ.
وَجَاءَ لَفْظُ السُّلْتِ، وَجَاءَ لَفْظُ الدَّقِيقِ، وَجَاءَ لَفْظُ السَّوِيقِ. فَوَقَفَ قَوْمٌ عِنْدَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَقَطْ وَهُمُ الظَّاهِرِيَّةُ. وَنَظَرَ الْجُمْهُورُ إِلَى عُمُومِ الطَّعَامِ وَالْغَرَضِ مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي التَّفْصِيلِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَالْآتِي:
أَوَّلًا: عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا مِنْ كُلِّ قُوتٍ ; لِأَثَرِ أَبِي سَعِيدٍ، وَفِيهِ لَفْظُ الطَّعَامِ.
ثَانِيًا: مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْمُكَلَّفِ بِهَا ; لِأَنَّهَا الْفَاضِلُ عَنْ قُوتِهِ.
ثَالِثًا: مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ ; لِأَنَّهَا حَقٌّ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ تَعَلَّقَ بِالطَّعَامِ كَالْكَفَّارَةِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: تَجُوزُ مِنْ كُلِّ حَبِّ مُعَشَّرٍ، وَفِي الْأَقِطِ خِلَافٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ الْمَالِكِيَّةِ.
رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمَ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ فِي شَرْحِهِ: تُخْرَجُ مِنَ الْقُوتِ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُخْتَصَرِ: يُؤَدِّيهَا مِنْ كُلِّ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ قُوتِهِ. وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ النَّوَوِيِّ: مِنْ كُلِّ حَبِّ مُعَشَّرٍ. وَنَاقَشَ الْبَاجِيُّ مَسْأَلَةَ إِجْزَائِهَا مِنَ الْأُرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ. فَقَالَ: لَا تَجُوزُ مِنْهَا عِنْد أَشْهَبَ وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ. وَنَاقَشَ الْقَطَّانِيُّ: الْحِمَّصَ، وَالتُّرْمُسَ، وَالْجُلُبَّانَ، فَقَالَ: مَالِكٌ يُجَوِّزُهَا إِذَا كَانَتْ قُوتَهُ، وَابْنُ حَبِيبٍ: لَا يُجَوِّزُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَنْصُوصِ.
وَاتَّفَقَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْمَطْعُومَ الَّذِي يُضَافُ إِلَى غَيْرِهِ كَالْأَبَازِيرِ: كُزْبَرَةٍ، وَكَمُّونٍ وَنَحْوِهِ، أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ.
الْحَنَابِلَةُ، قَالَ فِي الْمُغْنِي: مِنْ كُلِّ حَبَّةٍ وَثَمَرَةٍ تُقْتَاتُ.
وَقَالَ فِي الشَّرْحِ: أَيْ عِنْدِ عَدَمِ الْأَجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا، فَيُجْزِئُ كُلُّ مُقْتَاتٍ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ.