ثَالِثًا: رَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةً حَسَنَةً فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: «مَا هَذِهِ؟» قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ: إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ؟ . قَالَ: «نَعَمْ» .
رَابِعًا: مِثْلُهَا مِثْلُ الْجِزْيَةِ ; يُؤْخَذُ فِيهَا قَدْرُ الْوَاجِبِ كَمَا تُؤْخَذُ عَيْنُهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا كُلِّهِ كَالْآتِي: أَمَّا التَّعْوِيضُ بَيْنَ الْجَذَعَةِ وَالْمُسِنَّةِ أَوِ الْحِقَّةِ إِلَى آخِرِهِ فِي الْإِبِلِ بِشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الْأَنْصِبَاءِ الْمُتَقَدِّمِ، وَنَصُّهُ: وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الْإِبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا ابْنَةُ لَبُونٍ، فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا. إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ.
فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْقِيمَةِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ ; لِأَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ فَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ أَعْلَى أَوْ أَنْزَلُ مِنْهَا ; فَلِلْعَدَالَةِ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْمِسْكِينِ جُعِلَ الْفَرْقُ لِعَدَمِ الْحَيْفِ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْأَصْلِ وَلَيْسَ فِيهِ أَخْذُ الْقِيمَةِ مُسْتَقِلَّةً، بَلْ فِيهِ أَخْذُ الْمَوْجُودِ، ثُمَّ جَبْرُ النَّاقِصِ.
فَلَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ بِذَاتِهَا وَحْدَهَا تُجْزِئُ لَصَرَّحَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَا يَجُوزُ هَذَا الْعَمَلُ إِلَّا عِنْدَ افْتِقَادِ الْمَطْلُوبِ، وَالْأَصْنَافُ الْمَطْلُوبَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ إِذَا عُدِمَتْ أَمْكَنَ الِانْتِقَالُ إِلَى الْمَوْجُودِ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِهِ لَا إِلَى الْقِيمَةِ، وَهَذَا وَاضِحٌ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْفَتْحِ: لَوْ كَانَتِ الْقِيمَةُ مَقْصُودَةً لَاخْتَلَفَتْ حَسَبَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلَكِنَّهُ تَقْدِيرٌ شَرْعِيٌّ.
أَمَّا قَوْلُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ: «ائْتُونِي بِخَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ» . فَقَدْ نَاقَشَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ وَالْمَعْنَى. وَلَكِنَّ السَّنَدَ ثَابِتٌ، أَمَّا الْمَعْنَى، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ.
وَرُدَّ هَذَا: بِأَنَّ فِيهِ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْجِزْيَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute