للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَلَى سِيرَةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ: يُحْدَثُ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَحْكَامِ بِقَدْرِ مَا أَحْدَثَتْ مِنَ الْبِدَعِ إِلَى آخِرِهِ.

وَهُنَا لَا يَنْبَغِي الْإِسْرَاعُ فِي الْجَوَابِ، وَلَكِنِ انْطِلَاقًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَةَ الْمُتَقَدِّمِ، يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ إِحْيَاءَ الذِّكْرَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَوَلَّى ذَلِكَ بِأَوْسَعِ نِطَاقٍ ; حَيْثُ قَرَنَ ذِكْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ ذِكْرِهِ تَعَالَى فِي الشَّهَادَتَيْنِ، مَعَ كُلِّ أَذَانٍ عَلَى كُلِّ مَنَارَةٍ مِنْ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَفِي كُلِّ إِقَامَةٍ لِأَدَاءِ صَلَاةٍ، وَفِي كُلِّ تَشَهُّدٍ فِي فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ مِمَّا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِينَ مَرَّةً جَهْرًا وَسِرًّا. جَهْرًا يَمْلَأُ الْأُفُقَ، وَسِرًّا يَمْلَأُ الْقَلْبَ وَالْحِسَّ.

ثُمَّ تَأْتِي الذِّكْرَى الْعَمَلِيَّةُ فِي كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ: فِي الْمَأْكَلِ بِالْيَمِينِ ; لِأَنَّهُ السُّنَّةُ، وَفِي الْمَلْبَسِ فِي التَّيَامُنِ ; لِأَنَّهُ السُّنَّةُ، وَفِي الْمَضْجَعِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ ; لِأَنَّهُ السُّنَّةُ، وَفِي إِفْشَاءِ السَّلَامِ وَفِي كُلِّ حَرَكَاتِ الْعَبْدِ وَسَكَنَاتِهِ إِذَا رَاعَى فِيهَا أَنَّهَا السُّنَّةُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّعْبِيرَ عَنِ الْمَحَبَّةِ، وَالْمَحَبَّةُ هِيَ عُنْوَانُ الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَوَلَدِهِ، وَمَالِهِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» .

فَإِنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ طَاعَةُ مَنْ تُحِبُّ، وَفِعْلُ مَا يُحِبُّهُ، وَتَرْكُ مَا لَا يَرْضَاهُ أَوْ لَا يُحِبُّهُ، وَمِنْ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَا يُلَابِسُ عَمَلَ الْمَوْلِدِ مِنْ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَاخْتِلَاطٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَأَعْمَالٍ فِي أَشْكَالٍ لَا أَصْلَ لَهَا، يَجِبُ تَرْكُهُ وَتَنْزِيهُ التَّعْبِيرِ عَنْ مَحَبَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا لَا يَرْضَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكَرِّمُ هَذَا الْيَوْمَ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مُقَابَلَةَ فِكْرَةٍ بِفِكْرَةٍ. فَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَ السَّبَبَيْنِ، وَلَا مُوجِبَ لِلرَّبْطِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا، كَبُعْدِ الْحَقِّ عَنِ الْبَاطِلِ وَالظُّلْمَةِ عَنِ النُّورِ.

وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَلَا مُوجِبَ لِلتَّقْيِيدِ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، بَلِ الْعَامُ كُلُّهُ لِإِقَامَةِ الدِّرَاسَاتِ فِي السِّيرَةِ، وَتَعْرِيفِ الْمُسْلِمِينَ النَّاشِئَةَ مِنْهُمْ وَالْعَوَامَّ وَغَيْرَهُمْ بِمَا تُرِيدُهُ مِنْ دِرَاسَةٍ لِلسِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ.

وَخِتَامًا ; فَبَدَلًا مِنَ الْمَوْقِفِ السَّلْبِيِّ عِنْدَ التَّشْدِيدِ فِي النَّكِيرِ، أَنْ يَكُونَ عَمَلًا إِيجَابِيًّا فِيهِ حِكْمَةٌ وَتَوْجِيهٌ لِمَا هُوَ أَوْلَى بِحَسَبِ الْمُسْتَطَاعِ، كَمَا قَالَ ابْنُ تَيْمِيَةَ. وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَمِنَ الْمُنَاسَبَاتِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لِبَدْءِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [٩٧ \ ١]

<<  <  ج: ص:  >  >>