للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُتَعَدِّدَةُ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ مِنْهَا الْهَرْوَلَةُ فِي الطَّوَافِ، لَقَدْ كَانَتْ عَنْ مُؤَامَرَةِ قُرَيْشٍ فِي عَزْمِهَا عَلَى الْغَدْرِ بِالْمُسْلِمِينَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ، فَأَمَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُظْهِرُوا النَّشَاطَ فِي الطَّوَافِ، وَذَلِكَ حِينَمَا جَاءَ الشَّيْطَانُ لِقُرَيْشٍ وَقَالَ لَهُمْ: هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ مَعَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، جَاءُوا إِلَيْكُمْ وَقَدْ أَنْهَكَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، فَلَوْ مِلْتُمْ عَلَيْهِمْ لَاسْتَأْصَلْتُمُوهُمْ، فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَكَانَ الْمَوْقِفُ خَطِيرًا جِدًّا وَحَرِجًا ; حَيْثُ لَا مَدَدَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا سَبِيلَ لِلِانْسِحَابِ، وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِتْمَامِ الْعُمْرَةِ.

فَكَانَ التَّصَرُّفُ الْحَكِيمُ، أَنْ يَعْكِسُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ نَظَرِيَّتَهُمْ، وَيَأْتُونَهُمْ مِنَ الْبَابِ الَّذِي أَتَوْا مِنْهُ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهِ: «أَرُوهُمُ الْيَوْمَ مِنْكُمْ قُوَّةً» ، فَهَرْوَلُوا فِي الطَّوَافِ، وَأَظْهَرُوا قُوَّةً وَنَشَاطًا مِمَّا أَدْهَشَ الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى قَالُوا: وَاللَّهِ مَا هَؤُلَاءِ بِإِنْسٍ إِنَّهُمْ لَكَالْجِنِّ «، وَفَوَّتُوا عَلَيْهِمُ الْفُرْصَةَ بِذَلِكَ، وَسَلِمَ الْمُسْلِمُونَ.

فَهُوَ أَشْبَهُ بِمَوْقِفِ مُوسَى مِنْ فِرْعَوْنَ، فَنَجَّى اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَدْرِ قُرَيْشٍ، فَكَانَ هَذَا الْعَمَلُ مُخَلَّدًا وَمَشْرُوعًا فِي كُلِّ طَوَافِ قُدُومٍ حَتَّى الْيَوْمَ، مَعَ زَوَالِ السَّبَبِ حَيْثُ هَرْوَلَ الْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ بِسَنَتَيْنِ.

قَالَ الْعُلَمَاءُ: بَقِيَ هَذَا الْعَمَلُ ; تَأَسِّيًا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا، وَتَذَكَّرُوا لِهَذَا الْمَوْقِفِ وَمَا لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي بَادِئِ الدَّعْوَةِ.

وَجَاءَ السَّعْيُ وَالْهَرْوَلَةُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَجْدِيدِ الْيَقِينِ بِاللَّهِ، حَيْثُ تُرِكَتْ هَاجَرُ، وَهِيَ مِنْ سَادَةِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّهِ وَالَّتِي قَالَتْ لِإِبْرَاهِيمَ:

اذْهَبْ فَلَنْ يُضَيِّعَنَا اللَّهُ. تُرِكَتْ حَتَّى سَعَتْ إِلَى نِهَايَةِ الْعَدَدِ، كَمَا يَقُولُ عُلَمَاءُ الْفَرَائِضَ وَهُوَ سَبْعَةٌ.

إِذْ كَلُّ عَدَدٍ بَعْدَهُ تَكْرَارٌ لِمُكَرَّرٍ قَبْلَهُ، كَمَا قَالُوا فِي عَدَدِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَحَصَى الْجِمَارِ، وَأَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. إلخ.

وَذَلِكَ لِتَصِلَ إِلَى أَقْصَى الْجُهْدِ، وَتَنْقَطِعَ أَطْمَاعُهَا مِنْ غَوْثٍ يَأْتِيهَا مِنَ الْأَرْضِ، فَتَتَّجِهُ بِقُوَّةِ الْيَقِينِ وَشِدَّةِ الضَّرَاعَةِ إِلَى السَّمَاءِ، وَتَتَوَجَّهُ بِكُلِّيَّتِهَا وَإِحْسَاسِهَا بِقَلْبِهَا وَقَالَبِهَا إِلَى اللَّهِ. فَيَأْتِيهَا الْغَوْثُ الْأَعْظَمُ سَقْيًا لَهَا وَلِلْمُسْلِمِينَ مِنْ بَعْدِهَا.

فَكَانَ ذَلِكَ دَرْسًا عَمَلِيًّا ظَلَّ إِحْيَاؤُهُ تَجْدِيدًا لَهُ.

وَهَكَذَا النَّحْرُ، وَقِصَّةُ الْفِدَاءِ لِمَا كَانَ فِيهِ دَرْسُ الْأُمَّةِ لِأَفْرَادِهَا وَجَمَاعَتِهَا فِي أُسْرَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>