فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ: مَا يُفِيدُ التَّقْرِيرُ. وَفِي الثَّانِي: مَا يُفِيدُ شِدَّةَ النَّكِيرِ.
وَجَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: " غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَزْوَةَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَسَبَيْنَا كَرَائِمَ الْعَرَبِ، فَطَالَتْ عَلَيْنَا الْغُرْبَةُ، وَرَغِبْنَا فِي الْفِدَاءِ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَسْتَمْتِعَ وَنَعْزِلَ، فَقُلْنَا: نَفْعَلُ ذَلِكَ؟ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا نَسْأَلُهُ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا، مَا كَتَبَ اللَّهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ مَنْ هُوَ خَالِقٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " فَقَالَ لَنَا: وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ، وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ. مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا هِيَ كَائِنَةٌ ".
وَفِي رِوَايَةٍ: " لَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا ; فَإِنَّمَا هُوَ الْقَدَرُ ".
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَوْلُهُ: " لَا عَلَيْكُمْ " أَقْرَبُ إِلَى النَّهْيِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ لَكَأَنَّ هَذَا زَجْرٌ. فَأَنْتَ تَرَى قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَإِنَّكُمْ لَتَفْعَلُونَ " مُشْعِرٌ بِعَدَمِ عِلْمِهِ سَابِقًا، مِمَّا يَتَعَارَضُ مَعَ الزِّيَادَةِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَنْهَنَا، نُبْقِي قَوْلَ جَابِرٍ، مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ الْمُجَوِّزُونَ، وَيُعَارِضُهُ: وَهِيَ الْمَوْءُودَةُ، أَوِ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.
وَكَانَ لِلْوَأْدِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَبَبَانِ:
الْأَوَّلُ: اقْتِصَادِيٌّ، خَشْيَةُ إِمْلَاقٍ، وَمِنْ إِمْلَاقٍ حَاضِرٍ.
وَالثَّانِي: حَمِيَّةٌ وَغَيْرَةٌ.
وَقَدْ رَدَّ الْقُرْآنُ عَلَيْهِمْ فِي السَّبَبِ الْأَوَّلِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا [١٧ \ ٣١] .
وَقَوْلِهِ: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [٦ \ ١٥١] .
وَأَخِيرًا كَانَ هَذَا التَّسَاؤُلُ شَدِيدَ التَّوْبِيخِ لَهُمْ: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ