مَعَهُ، وَلَكِنَّهُ رَأَى مِنْهُ عَدَمَ الْمُبَالَاةِ وَعَدَمَ الِاسْتِعْدَادِ، بِأَنْ وَضَعَ رُمْحَهُ أَمَامَهُ مُعْتَرِضًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يُؤَمِنُ بِوُجُودِ الرِّمَاحِ فِي بَنِي عَمِّهِ، وَهُوَ لَمْ يُرِدْ بِكَلَامِهِ مَعَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ بِأَمْرٍ يَجْهَلُهُ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَهُ لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلَهُ مِنَ التَّأَهُّبِ وَالِاسْتِعْدَادِ، وَهَكَذَا هُنَا، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُسَوِّفٍ وَمُتَسَاهِلٍ كَمَا جَاءَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» إِلَخْ.
أَيْ: وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْإِيمَانِ وَلَوَازِمِهِ مِنَ الْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [٨٣ \ ٦] يُفْهَمُ أَنَّ مُطَفِّفَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ هَذَا حَقِيقَةً غَالِبًا، وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الطَّرَفُ الْآخَرُ، فَيَكُونُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى فِعْلِهِ، فَهُوَ الَّذِي سَيُحَاسِبُهُ وَيُنَاقِشُهُ، لِأَنَّهُ خَانَ اللَّهَ الَّذِي لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ سُبْحَانَهُ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَمْ يَقُلْ: يَوْمَ يُقْتَصُّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ غَرِيمِهِ، وَيَسْتَوْفِي كُلُّ ذِي حَقٍ حَقَّهُ.
تَحْذِيرٌ شَدِيدٌ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عِنْدَ هَذِهِ الْآيَةِ: وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لَهُ: قَدْ سَمِعْتَ مَا قَالَ اللَّهُ فِي الْمُطَفِّفِينَ، فَمَا ظَنُّكَ بِنَفْسِكَ وَأَنْتَ تَأْخُذُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ؟ ! . اهـ.
إِنَّهَا مَقَالَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تُقَالَ لِكُلِّ آكِلٍ أَمْوَالَ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ أَيًّا كَانَ هُوَ، وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَكُونُ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ.
مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ مُتَبَايِعَيْنِ يَطْلُبُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْأَحَظُّ لِنَفْسِهِ، فَالْمُطَفِّفُ لَا بُدَّ أَنْ يُخْفِيَ طَرِيقَهُ عَلَى غَرِيمِهِ.
وَذَكَرَ عُلَمَاءُ الْحِسْبَةِ طُرُقًا عَدِيدَةً مِمَّا يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْأَمْرِ خَاصَّةً، وَلِلْمُتَعَامِلِ مَعَ غَيْرِهِ عَامَّةً أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهَا.
مِنْ ذَلِكَ قَالُوا: أَوَّلًا مِنْ نَاحِيَةِ الْمِكْيَالِ قَدْ يَكُونُ جِرْمُ الْمِكْيَالِ لَيِّنًا فَيَضْغَطُهُ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute