فَكَأَنَّ قَوْلَهُ: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ: وَتَوَاصَوْا بِالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَاسْتَقِيمُوا عَلَيْهِ.
ثُمَّ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [١ \ ٦] ، وَهَذَا صِرَاطُ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمُ فَاتَّبِعُوهُ.
فَكَانَتْ سُورَةُ الْعَصْرِ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوَاصِي بِالِاسْتِقَامَةِ عَلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ وَاتِّبَاعِهِ، وَيَأْتِي عَقِبَهَا قَوْلُهُ: وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [١٠٣ \ ٣] ، بِمَثَابَةِ التَّثْبِيتِ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ إِذِ الصَّبْرُ لَازِمٌ عَلَى عَمَلِ الطَّاعَاتِ، كَمَا هُوَ لَازِمٌ لِتَرْكِ الْمُنْكَرَاتِ.
وَتِلْكَ الْوَصَايَا الْعَشْرُ جَمَعَتْ أَمْرًا وَنَهْيًا فِعْلًا وَتَرْكًا، وَكَذَلِكَ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا يَقُولُهُ دُعَاةُ الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالدَّعْوَةَ إِلَى الْحَقِّ وَالتَّوَاصِي بِهِ، فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَغَالِبًا مَنْ يَقُومُ بِهِ يَتَعَرَّضُ لِأَذَى النَّاسِ، فَلَزِمَهُمُ التَّوَاصِي بِالصَّبْرِ، كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ يُوصِيهِ وَجَامِعًا فِي وَصِيَّتِهِ وَصِيَّةَ سُورَةِ الْعَصْرِ إِذْ قَالَ: يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [٣١ \ ١٧] .
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيَانُ قَوَاعِدِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ بِالتَّفْصِيلِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ [٥ \ ١٠٥] ، فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
فَصَارَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِحَقٍّ جَامِعَةً لِأُصُولِ الرِّسَالَةِ.
كَمَا رُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ تَأَمَّلَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ.
قَوْلُهُ: وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، جَاءَ الْحَثُّ عَلَى التَّوَاصِي بِالرَّحْمَةِ أَيْضًا مَعَ الصَّبْرِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [٩٠ \ ١٧] .
وَبِهَذِهِ الْوَصَايَا الثَّلَاثِ: بِالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ، وَالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ وَالتَّوَاصِي بِالْمَرْحَمَةِ، تَكْتَمِلُ مُقَوِّمَاتُ الْمُجْتَمَعِ الْمُتَكَامِلِ قِوَامُهُ الْفَضَائِلُ الْمُثْلَى، وَالْقِيَمُ الْفُضْلَى.
لِأَنَّ بِالتَّوَاصِي بِالْحَقِّ إِقَامَةَ الْحَقِّ، وَالِاسْتِقَامَةَ عَلَى الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute