وَبِالتَّوَاصِي بِالصَّبْرِ، يَسْتَطِيعُونَ مُوَاصَلَةَ سَيْرِهِمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ، وَيَتَخَطَّوْنَ كُلَّ عَقَبَاتٍ تُوَاجِهُهُمْ.
وَبِالتَّوَاصِي بِالْمَرْحَمَةِ: يَكُونُونَ مُرْتَبِطِينَ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ، وَتِلْكَ أُعْطِيَاتٌ لَمْ يُعْطِهَا إِلَّا الْقُرْآنُ وَأَعْطَاهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمُوجَزَةِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
تَنْبِيهٌ
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ بِالنَّجَاةِ مِنَ الْخُسْرَانِ، وَفَوْزِهِمْ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْإِيمَانِ، أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ أَنْفُسِهِمْ بَلْ تَعَدَّوْا إِلَى غَيْرِهِمْ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى مَا فَازُوا بِهِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِبَّ لِأَخِيكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» اهـ. مُلَخَّصًا.
وَيَشْهَدُ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى قَوْلِهِ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [٤١ - ٣٥] .
فَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ النَّاسَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ إِزَاءَ دَعْوَةِ الرُّسُلِ.
قَوْمٌ آمَنُوا وَقَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ، وَاسْتَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَقَوْمٌ ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُمْ إِلَى دَعْوَةِ غَيْرِهِمْ وَهُمْ أَحْسَنُ قَوْلًا بِلَا شَكٍّ.
وَقَوْمٌ عَادُوا الدُّعَاةَ وَأَسَاءُوا إِلَيْهِمْ.
ثُمَّ بَيَّنَ مَوْقِفَ الدُّعَاةِ مِنْ أُولَئِكَ الْمُسِيئِينَ فِي غُضُونِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ، أَيْ: إِسَاءَةُ الْمُسِيئِينَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَيُصْبِحُوا أَوْلِيَاءَ لَكَ، وَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَنِ ارْتَفَعَ إِلَيْهَا وَسَلَكَ مَسْلَكَهَا إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute