وَفِي الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ ثَلَاثٍ: الْغَاسِقِ، وَالنَّفَّاثَاتِ، وَالْحَاسِدِ، بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ الرَّبُّ، وَإِنْ تَكَثَّرَ الَّذِي يُسْتَعَاذُ مِنْهُ.
وَهَذِهِ الْأُخْرَى لَفْتَةٌ كَرِيمَةٌ، طَالَمَا كُنْتُ تَطَلَّعْتُ إِلَيْهَا فِي وُجْهَتَيْ نَظَرٍ، إِحْدَاهُمَا: بَيْنَ السُّورَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى بَيْنَ سُورَةِ النَّاسِ وَنَسَقِ الْمُصْحَفِ الشَّرِيفِ، سَيَأْتِي إِيرَادُهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
إِلَّا أَنَّهُ عَلَى وُجْهَةِ نَظَرِ أَبِي حَيَّانَ، وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفَلَقِ جَاءَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ «بِرَبِّ الْفَلَقِ» .
وَفِي سُورَةِ النَّاسِ جَاءَ فِي الِاسْتِعَاذَةِ بِثَلَاثِ صِفَاتٍ، مَعَ أَنَّ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ فِي الْأُولَى ثَلَاثَةُ أُمُورٍ، وَالْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ فِي الثَّانِيَةِ أَمْرٌ وَاحِدٌ، فَلِخَطَرِ الْأَمْرِ الْوَاحِدِ جَاءَتِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثُ.
وَيُقَالُ أَيْضًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى: إِنَّ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ فِي السُّورَةِ الْأُولَى أُمُورٌ تَأْتِي مِنْ خَارِجِ الْإِنْسَانِ، وَتَأْتِيهِ اعْتِدَاءً عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَكُونُ شُرُورًا ظَاهِرَةً، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَدْ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ أَوِ اتِّقَاؤُهُ قَبْلَ وُقُوعِهِ، وَتَجَنُّبُهُ إِذَا عُلِمَ بِهِ. بَيْنَمَا الشَّرُّ الْوَاحِدُ فِي الثَّانِيَةِ يَأْتِيهِ مِنْ دَاخِلِيَّتِهِ وَقَدْ تَكُونُ هَوَاجِسُ النَّفْسِ وَمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ، إِذِ الشَّيْطَانُ يَرَانَا وَلَا نَرَاهُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ [٧ \ ٢٧] .
وَقَدْ يُثِيرُ عَلَيْهِ خَلَجَاتِ نَفْسِهِ وَنَوَازِعَ فِكْرِهِ، فَلَا يَجِدُ لَهُ خَلَاصًا إِلَّا بِالِاسْتِعَاذَةِ وَاللُّجُوءِ إِلَى رَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ.
أَمَّا الْوُجْهَتَانِ اللَّتَانِ نَوَّهْنَا عَنْهُمَا، فَالْأُولَى بَيْنَ السُّورَتَيْنِ وَهِيَ مِمَّا أَوْرَدَهُ أَبُو حَيَّانَ: إِذْ فِي سُورَةِ الْفَلَقِ قَالَ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [١١٣ \ ١] ، وَرَبُّ الْفَلَقِ تُعَادِلُ قَوْلَهُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ لِأَنَّهُ مَا مِنْ مَوْجُودٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ إِلَّا وَهُوَ مَفْلُوقٌ عَنْ غَيْرِهِ.
فَفِي الزَّرْعِ: فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى [٦ \ ٩٥] .
وَفِي الزَّمَنِ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ [٦ \ ٩٦] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute