للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفِي الْحَيَوَانَاتِ: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [٤ \ ١] .

وَفِي الْجَمَادَاتِ يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ [٢١ \ ٣٠ - ٣١] .

فَرَبُّ الْفَلَقِ تُعَادِلُ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَقَابَلَهَا فِي الِاسْتِعَاذَةِ بِعُمُومِ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.

ثُمَّ جَاءَ ذِكْرُ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَهُوَ «مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ» ، وَ «النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ» ، «وَحَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ» .

فَالْمُسْتَعَاذُ بِهِ صِفَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالْمُسْتَعَاذُ مِنْهُ عُمُومُ مَا خَلَقَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، بَيْنَمَا فِي السُّورَةِ الثَّانِيَةِ جَاءَ بِالْمُسْتَعَاذِ بِهِ ثَلَاثُ صِفَاتٍ هِيَ صِفَاتُ الْعَظَمَةِ لِلَّهِ تَعَالَى: الرَّبُّ وَالْمَلِكُ وَالْإِلَهُ.

فَقَابَلَ الْمُسْتَعَاذَ مِنْهُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَهُوَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ خُطُورَةِ الْمُسْتَعَاذِ مِنْهُ.

وَهُوَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّنَا لَوْ نَظَرْنَا فِي وَاقِعِ الْأَمْرِ لَوَجَدْنَا مَبْعَثَ كُلِّ فِتْنَةٍ وَمُنْطَلَقَ كُلِّ شَرٍّ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، لَوَجَدْنَاهُ بِسَبَبِ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ. وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِتَارِيخِ وُجُودِ الْإِنْسَانِ.

وَأَوَّلُ جِنَايَةٍ وَقَعَتْ عَلَى الْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ، إِنَّمَا هِيَ مِنْ هَذَا الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا كَرَّمَ آدَمَ، فَخَلَقَهُ بِيَدِهِ وَأَسْجَدَ الْمَلَائِكَةَ لَهُ وَأَسْكَنَهُ الْجَنَّةَ هُوَ وَزَوْجَهُ لَا يَجُوعُ فِيهَا وَلَا يَعْرَى، وَلَا يَظْمَأُ فِيهَا وَلَا يَضْحَى، يَأْكُلَانِ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ مَا شَاءَا، إِلَّا مِنَ الشَّجَرَةِ الْمَمْنُوعَةِ، فَوَسْوَسَ إِلَيْهِمَا الشَّيْطَانُ حَتَّى أَكَلَا مِنْهَا وَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ، حَتَّى أُهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ.

وَبَعْدَ سُكْنَاهُمَا الْأَرْضَ أَتَى ابْنَيْهِمَا قَابِيلَ وَهَابِيلَ فَلَاحَقَهُمَا أَيْضًا بِالْوَسْوَسَةِ، حَتَّى طَوَّعَتْ نَفْسُ أَحَدِهِمَا قَتْلَ أَخِيهِ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ.

وَهَكَذَا بِسَائِرِ الْإِنْسَانِ فِي حَيَاتِهِ بِالْوَسْوَسَةِ حَتَّى يُرْبِكَهُ فِي الدُّنْيَا، وَيُهْلِكَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>